من الفارس إلى الإنسان العادي: تطوّر صورة البطل في الأدب العربي الحديث

صورة البطل في الأدب العربي الحديث (الإنترنت)
شهدت صورة البطل في الأدب العربي الحديث تحوّلات عميقة تعكس بدورها التحوّلات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي عرفها العالم العربي منذ النهضة حتى اليوم إذ لم يعد البطل ذلك الفارس الملحمي الذي يتقن السيف ويُجسّد المثال الأعلى بقدر ما أصبح كائناً إنسانياً هشاً يعيش تناقضات الواقع ويتجوّل بين أسئلة الهوية والانكسار والنهوض. ففي بدايات النهضة مثّل إعادة إحياء التراث نموذجاً أولياً للبطولة كما في أعمال جرجي زيدان التي مزج فيها بين التاريخي والتخييلي لتقديم بطل منتمٍ إلى أمسه العريق هدفه تأسيس وعي قومي جديد كما أشارت دراسات ماجد الطحان حول تحولات السرد التاريخي.
ومع صعود الرواية الاجتماعية في ثلاثينيات القرن الماضي تبدّل مركز البطولة ليصبح أقرب إلى الإنسان العادي الذي يواجه واقعه المعيشي بقسوته وضبابيته حيث برز نجيب محفوظ بتصويره عالماً مكتظاً بأبطال يبدون مألوفين لكنهم يحملون رمزية عميقة فـ“كمال عبد الجواد” و“أحمد عاكف” وغيرهما يمثلون تحوّلاً من البطولة البطولية إلى البطولة الوجودية التي تعكس تحليلاً دقيقاً للطبقة الوسطى المصرية وقد تناول الناقد رجاء النقاش في مقالاته هذا التبدل باعتباره لحظة تأسيسية في الرواية العربية الحديثة.
وفي ستينيات وسبعينيات القرن العشرين تعمّقت صورة البطل المأزوم تحت وطأة الهزائم السياسية والبحث عن معنى جديد للحرية والكرامة فقد ظهر ما يسمى بـ“البطل الضدّي” الذي لا يمتلك صفات القوة التقليدية بل يعيش صراعاً داخلياً يوازي الصراعات الخارجية كما في روايات عبد الرحمن منيف التي توثّق، وفق دراسة عبد الله إبراهيم حول السرد العربي، انكسار الإنسان العربي أمام بنى السلطة والاغتراب والتحولات النفطية حيث يتحول البطل إلى شاهد يفتّش عن ذاته أكثر مما يسعى إلى إنقاذ العالم.
أما في العقود الأخيرة فقد تبدّلت صورة البطل مع صعود سرديات الهوية والهجرة والحروب الأهلية إذ أصبح البطل العربي وريث جراح جديدة يعيش اللجوء والمنفى والانقسام الداخلي كما تجلّى في أعمال إلياس خوري وهشام شورى حيث يظهر البطل ككائن ممزّق لكنّه قادر على إعادة صياغة العالم من خلال الحكي والشهادة وقد وصفت الباحثة إيناس عبد الهادي في دراستها عن سرديات الذاكرة هذا التحول بوصفه انتقالاً من البطولة الفردانية إلى بطولة الشهادة الجماعية.
في المحصلة يعكس تطوّر صورة البطل في الأدب العربي الحديث انتقال الأدب من تمجيد القوة الخارقة إلى الاحتفاء بالإنسان العادي بتعقيداته وتساؤلاته وتحوّلاته وهو ما يجعل البطل اليوم أقرب إلى مرآة تعكس حقيقة المجتمع وصوته الداخلي الذي لم يعد يبحث عن مجد خرافي بقدر ما يسعى إلى فهم الذات وإعادة تشكيل المستقبل.
