Contact Us
مقالات

عدسات بلا رحمة... الإعلام اللبناني في امتحان الأخلاق

2 نوفمبر 2025
إعلام كاميرات بلا رحمة 1

لطالما تميّز لبنان بقوة إعلامه وحضوره الفاعل في الساحة المحلية والعربية، واشتهر بتغطياته المهنية التي جعلته في مصاف الدول الرائدة إعلاميًا. غير أنّ ما آلت إليه الحال في السنوات الأخيرة يبعث على القلق؛ إذ باتت نسبة كبيرة من العاملين في القطاع تجهل أبسط قواعد المهنة، فبدأ الإعلام ينزلق تدريجيًا إلى هاوية أخلاقية خطيرة.

ورغم ما تبذله الجامعات من جهود لغرس القيم المهنية والأخلاقية في طلاب الإعلام، إلا أنّ تلك المبادئ غالبًا ما تذوب أمام بريق الشهرة وزيف الأضواء.

في الآونة الأخيرة، شهد لبنان سلسلة من الأحداث المأساوية التي سلّط الإعلام الضوء عليها بكثافة، لكنّ الطريقة التي تمّت بها التغطية كشفت عن غياب الحس الإنساني وتراجع الوازع الأخلاقي.

في مجزرة قبريخا مثلًا، حيث قُتل والدان أمام أنظار طفلتهما، انتشر مقطع صوتي للطفلة على وسائل التواصل الاجتماعي، فسارعت المحطات التلفزيونية إلى منزلها قبل أن يبرد الدم، وانهالت عليها بالأسئلة، غير آبهة بصدمتها النفسية، وكأنها مجرّد "سبق صحافي" لا روح فيه.

وفي منطقة البياض، حيث استُشهد شقيقان أمام والدتهما المكلومة، تزاحمت الكاميرات لتصوير المشهد المأساوي بينما كانت الأم تصرخ بحرقة. لم تُراعَ حرمة الفقد ولا خصوصية الألم؛ فاختُزلت الفاجعة في لقطة تُبثّ ثم تُنسى، فيما تبقى الندبة في قلب من فقدوا أحبتهم.

ليست المشكلة في الصورة فحسب، بل في ما وراءها. فعندما يفقد الصحافي إحساسه الإنساني، يتحول الخبر إلى سلعة، وتغدو المأساة مادّة إعلامية تُستهلك كما تُستهلك الإعلانات.

الصحافة الأخلاقية لا تعني تزيين الواقع أو إخفاء الحقيقة، بل نقلها كما هي بحسٍّ إنسانيٍّ ووعيٍ بالحدود التي لا يجوز تجاوزها. الهدف الأسمى يجب أن يكون ممارسة المهنة بضمير حيّ لا بعين الكاميرا وحدها.

ولا بد من تفعيل الرقابة والمساءلة، فكل من يتجاوز المعايير الأخلاقية يجب أن يُحاسَب حتى لا تتفاقم الفوضى المهنية. كما ينبغي وضع ضوابط واضحة أمام المواطنين الذين يمارسون دور الصحافي على مواقع التواصل، حمايةً للمجتمع من انتهاك الخصوصيات وتحريف الحقائق.

إنّ الإعلام اللبناني اليوم أمام مفترق طرق:

  • إما أن يستعيد بعده الأخلاقي فيكون صوت الناس وضميرهم،

  • أو أن يواصل تجاهل الضوابط فيفقد ثقة الجمهور وينحدر إلى درك "الصحافة الصفراء".

فالصحافة ليست مجرد مهنة تنقل الواقع بعدسة، بل رسالة تُكتب بأخلاق من يحمل الكلمة وصوت من يصون الحقيقة.














ملاحظة: المقال على مسؤولية كاتبته ولا يمثّل بالضرورة رأي موقع "إقتصادي.كوم".