Contact Us
Ektisadi.com
تعليم وثقافة

اليوم الثاني… عنايا تتألّق بحجّ البابا لاون

البابا لاون

البابا لاون (الوكالة الوطنية)

استهلّ البابا لاون الرابع عشر اليوم الثاني من زيارته للبنان بمحطة روحية بارزة في دير مار مارون - عنايا، حيث أدّى حجًا إلى ضريح القديس شربل وسط حضور شعبي غير مسبوق. فمنذ ساعات الصباح الأولى، بدأ آلاف المؤمنين بالتوافد إلى البلدة، متحدّين رداءة الطقس، فيما اتخذ الجيش اللبناني والقوى الأمنية ترتيبات واسعة لضمان انسياب الحركة وتنظيم الحشود على الطرقات المؤدية إلى الدير.

وقبل وصول البابا، توافدت الشخصيات الرسمية والدينية، وكان رئيس الجمهورية جوزاف عون وعقيلته من أوائل الحاضرين للمشاركة في الاستقبال. ومع اقتراب لحظة وصوله، ارتفعت هتافات الناس ولوّحوا بالأعلام اللبنانية والفاتيكانية، في مشهد عكس حجم التوقّع والترحيب الشعبي بالزيارة.

ودخل البابا إلى عنايا على متن الـ“بابا موبيل”، متجهًا مباشرة نحو ضريح القديس شربل. وهناك توقّف للصلاة والتأمل، في لحظة حملت رمزية روحية عميقة خصوصًا في ظل الظروف التي يمرّ بها لبنان. وجاءت زيارته للضريح تأكيدًا لمكانة شربل العالمية كأيقونة إيمان وصلاة وقدوة في الصمت والتواضع.

وقدّم البابا هدية للدير عبارة عن قنديل حمله معه من روما، كإشارة رمزية إلى نور الرجاء. في المقابل، قدّم رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأب هادي محفوظ هدايا تذكارية من بينها نسخة عن أول كتاب مزامير طُبع في الشرق في دير قزحيا عام 1610، في مبادرة تعكس الجذور التاريخية العميقة للرهبانية ودورها في الحفاظ على التراث الروحي.

بعد ذلك، قام البابا بجولة داخل أروقة الدير ومتحفه، حيث اطّلع على أهم المقتنيات التي تجسّد مسيرة القديس شربل والحياة النسكية التي عاشها. وقد بدت على الحشود مشاعر التأثر والفخر بوجود الحبر الأعظم في هذا الموقع الروحي البارز، فيما ظلّت الأجراس تقرع في محيط الدير احتفاءً بالحدث.

وتُعدّ هذه الزيارة البابوية الأولى إلى دير مار مارون – عنايا منذ تأسيسه عام 1828، وهو الدير الذي تحوّل بعد دفن القديس شربل فيه عام 1898 إلى مقصد للزوار من مختلف الديانات، وهو ما يعكس الطابع الجامع لهذا المكان الروحي.

وبعد انتهاء المحطة الأولى من برنامجه، انتقل البابا لاون إلى مزار سيدة لبنان في حريصا حيث التقى الأساقفة والكهنة والعاملين في الكنيسة. وتركزت اللقاءات على قضايا راعوية وروحية، وعلى الدور الذي تُعوّل عليه الكنيسة في تعزيز التماسك الاجتماعي والخدمة العامة في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان.

وفي ساعات بعد الظهر، يشارك البابا في لقاء مسكوني وحوار بين الأديان في ساحة الشهداء وسط بيروت، حيث من المتوقع أن يشكل هذا الحدث مساحة للتأكيد على أهمية الوحدة والتلاقي بين مختلف المكوّنات الدينية اللبنانية، بما ينسجم مع الرسالة التاريخية للبنان كأرض حوار وتنوّع.

ويمثّل اليوم الثاني من الزيارة حدثًا وطنيًا وروحيًا مهمًا، إذ أعاد تسليط الضوء على الدور الفريد الذي يلعبه لبنان في المنطقة، وعلى الحاجة إلى دعمٍ دولي وروحي يساعده على الحفاظ على رسالته. كما شكّلت المحطات الروحية للبابا في عنايا وحريصا فرصة لإعادة التذكير بجذور البلاد الروحية العميقة وبمكانة قديسيها وتأثيرهم الإنساني العابر للحدود.