الجامعة الذكية: مستقبل التعلّم يبدأ الآن

شهد قطاع التعليم العالي خلال السنوات الأخيرة تحوّلًا جذريًا بفعل التطوّر السريع في التكنولوجيا التعليمية أو ما يُعرف بـ EdTech. لم يعد التعلم في الجامعات مرتبطًا بالمكان والزمان، بل أصبح بيئة رقمية ديناميكية تسمح للطالب بالتعلّم بذكاء أكبر ومرونة أعلى. ومع دخول الذكاء الاصطناعي، ومنصات التعليم عن بعد، والوسائل الرقمية الداعمة للتفاعل، تغيّرت التجربة التعليمية بشكل كامل، ما يفرض قراءة نقدية لهذه الظاهرة وفهم تحدياتها وفرصها، خصوصًا في الدول النامية.
استخدام الذكاء الاصطناعي في التقييم
أدخلت الجامعات حول العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي كأدوات مساعدة في عملية التقييم، سواء عبر أنظمة تصحيح الامتحانات الإلكترونية، أو برامج تحليل النصوص، أو الخوارزميات التي تحدد مستوى الطالب وتقترح له مسارات تعليمية مناسبة. وقد ساهمت هذه الأدوات في تقليل الأخطاء البشرية، وتوفير الوقت على الطلاب والأساتذة، وإتاحة تغذية راجعة فورية توضح للطالب نقاط ضعفِه ونقاط قوته، مما يساعده على تحسين أدائه بشكل أسرع.
إضافة إلى ذلك، طوّرت بعض الجامعات أنظمة "تحليلات التعلم" التي تراقب سلوك الطالب داخل المنصة التعليمية، مثل مدة الدراسة، وعدد المحاولات، ومعدل التفاعل، وتستخدم هذه البيانات للتنبؤ بأدائه وتقديم دعم موجّه قبل الامتحانات. ورغم هذه النقلة النوعية، لا تزال مسألة دقة الخوارزميات وأخلاقيات استخدامها موضع نقاش، إذ يخشى البعض من احتمال التحيّز في تقارير الذكاء الاصطناعي، أو من استبدال دور الأستاذ الإنساني بدور تقني بحت.
منصات التعليم عن بعد
أصبحت منصات مثل Microsoft Teams، وGoogle Classroom جزءًا لا يتجزأ من الحياة الجامعية الحديثة. وقد اكتسبت أهمية مضاعفة خلال جائحة كورونا، حين تحوّل التعليم عن بعد من خيار ثانوي إلى الوسيلة الأساسية للتعليم، ما سرّع الانتقال إلى التعليم الرقمي. تتيح هذه المنصات للطلاب متابعة محاضراتهم من أي مكان، وتنظيم مهامهم، الوصول إلى المادة العلمية في أي وقت، إضافة إلى تسجيل المحاضرات وإعادة مشاهدتها لاحقًا.
لكن هذه التجربة لم تكن خالية من التحديات؛ إذ واجه الطلاب مشكلات تتعلق بضعف الإنترنت، وصعوبة المشاركة في الحصص المباشرة، وغياب المناقشات الصفية التي تُعد جزءًا مهمًا من التعلم الجامعي. كما عانى الأساتذة من صعوبة ضبط حضور الطلاب والتأكد من التزامهم بالمادة، وتحويل المحتوى التقليدي إلى محتوى رقمي تفاعلي.
أخطاء وتحديات EdTech
على الرغم من الإنجازات الكبيرة التي حققتها التكنولوجيا التعليمية، إلا أنها واجهت عدة انتقادات. أبرزها الفجوة الرقمية بين الطلاب، إذ لا يمتلك الجميع الأجهزة المناسبة أو شبكة إنترنت مستقرة، مما يخلق عدم مساواة في فرص التعلم. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الاستخدام المفرط للشاشات إلى الإرهاق الرقمي وفقدان التركيز، ما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والذهنية للطلاب.
كما تعاني بعض المنصات من مشكلات في الأمن السيبراني، ما يعرّض المعلومات الشخصية والملفات الأكاديمية لخطر التسريب أو الاختراق. ومن التحديات التربوية أيضًا ضعف التفاعل الإنساني، فالتكنولوجيا قد تسهّل التواصل، لكنها لا تستطيع دائمًا تعويض الدور الإنساني للأستاذ في بناء علاقة تعليمية فعّالة، أو في تحفيز النقاش وتوليد الأفكار داخل الصف.
