السائق والقائد

وليد حسين الخطيب (إقتصادي.كوم)
في اللغة، كما في الحياة، ليست المسافات وحدها التي تفصل بين "السائق" و"القائد"، بل الفكرة ذاتها. فالسائق، لغويًّا، هو الذي يكون وراء القافلة، يدفعها دفعًا أو يزجرها إن تلكّأت. أما القائد، فهو الذي يسير في المقدّمة، يفتح الطريق بخطاه، يعرّض نفسه أولًا للخطر ليصل الجميع بسلام.
أمّا في لبنان، كما في أغلب مفاصل يومنا، فقد انقلبت المعاني رأسًا على عقب. فزعماؤهم لا يقودوننا إلى غدٍ أفضل، بل يسوقوننا إلى الهاوية وهم يتبادلون المقاعد الخلفية في سيارةٍ بلا مكابح. كلٌّ منهم يمسك المقود من المقعد الخلفي، يصرخ في الميكروفون، ويدّعي أنه المنقذ الوحيد… بينما البلاد تترنّح على طريقٍ لا نهاية له.
هؤلاء الزعماء يسوقون أبناءهم إلى المناصب، وأبناءنا إلى الطوابير والمقابر. يسوقون أتباعهم – ونحن معهم في الدولة العميقة - كما يساق الخروف إلى الذبح، ويبيعوننا – في خطاباتهم الرنانة المصقولة بعناية - وطنًا بالتقسيط المملّ، مع ضمانةٍ واحدة: أنّهم سيبقون دائمًا في الواجهة، وأننا سنبقى دائمًا في الخلف! ثم يطلّ أحدهم عبر التلفاز مزهوًّا بنفسه، ليعلّمنا الوطنية، ويذكّرنا بأنّنا نحن المشكلة. وكأننا الذئاب وهم الغنم! في محاكاة لقول العبقري زياد الرحباني في مسرحية "فيلم أميركي طويل": "الشعب عم يستغلّ الزعما والزعما معتّرين..." - وإن كانت في جانب منها تعبّر عن حقيقة، فجزء من الشعب أكثر فسادًا من زعمائه - لقد قال الشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة في قصيدته الشهيرة "أمّتي هل لك بين الأمم":
لا يُلامُ الذئبُ في عُدوانِه/ إن يكُ الراعي عدوَّ الغنمِ
وها نحن يا سادة في حظيرةٍ كبيرةٍ اسمها الوطن، يتناوب الرعاة على الحلب والسلخ والنتف والسلب... بينما الغنم تتجادل في ما بينها: من أحبّ راعيه أكثر
في هذا المقام أستشهد بنص للشاعر والروائي الكبير أنور الخطيب قرأته وأنا أحضّر لهذه الحلقة، كأنّه كُتِبَ خصّيصًا لها، حيث قال:
"قال
قدتكم إلى الضوء
لكنّ عتمةً سرقته
جعلتموني ضوءًا
وما زلت أقودكم
إلى العتمة".
نعم، من هنا... وهناك، لا قائدَ يُرى في الأفق، بل سائقون يُكثِرون من الإشارات، يقلّبون الاتّجاهات، وينسون الطريق. أما الوطن، فقد صار الراكب المنهك في المقعد الأخير، يمدّ رأسه من النافذة علّه يتنفّس قليلًا قبل أن تنفجر السيارة كلّها… في وجه الجميع!
ملاحظة: المقالات التي ينشرها "إقتصادي.كوم" هي دوماً على مسؤولية كتّابها، ولا تعكس بالضرورة رأي الموقع.
