Contact Us
Ektisadi.com
تعليم وثقافة

الرأسمالية اليوم: أزمة منذ الثلاثينيات وحاجة لإصلاح جذري

Gemini_Generated_Image_ykwscyykwscyykws (1)

تشهد الرأسمالية العالمية اليوم أزمة غير مسبوقة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حين اجتمع كبار المفكرين الاقتصاديين من أمثال جون ماينارد كينز وفريدريش هايك وكارل بولاني ولودفيغ فون ميزس لمناقشة انهيار الأسواق والتحديات التي فرضتها الأنظمة الاستبدادية. آنذاك، حاول هؤلاء الاقتصاديون إيجاد نموذج للرأسمالية يكون مقبولًا اجتماعيًا ويضمن الاستقرار، وظهرت بعدها أفكار مثل النيوليبرالية، لكنهم لم يتفقوا على حلول شاملة، وفق لوكالة بلومبيرغ.

اليوم، تتشابه الحالة الاقتصادية العالمية بشكل مثير للانتباه مع تلك الفترة، حيث يرى كبار الرأسماليين أنفسهم أمام أكبر أزمة منذ الثلاثينيات، مع تزايد النقاشات الفكرية حول كيفية إصلاح النظام الرأسمالي، حتى لو كانت هذه النقاشات تؤثر قليلًا على السياسة المباشرة.

أحدث الأعمال التي تناولت هذا الموضوع كتاب “Capitalism” للباحث التاريخي هارفارد سفين بيكرت، والذي يمتد لأكثر من 1300 صفحة، ويحلل تطور الرأسمالية منذ الثورة الصناعية حتى اليوم. كما قدم مؤلفون آخرون تحليلات متعمقة مثل كتاب “The Crisis of Democratic Capitalism” لمارتن وولف، و“What Went Wrong With Capitalism” لرشير شارما، حيث اجمعوا على أن النظام بحاجة إلى إصلاحات عميقة.

تطور الرأسمالية عبر التاريخ:

• الرأسمالية 1.0: نموذج اللاسّي-فير في القرن التاسع عشر، حيث تركت الحكومات الأسواق تعمل بحرية، مع ارتفاع مخاطر الأزمات المصرفية والفقر والتفاوت الاجتماعي. انتهت هذه المرحلة بالكساد الكبير عام 1929.

• الرأسمالية 2.0: بعد نيو ديل وما بعد الحرب العالمية الثانية، نشأت الأنظمة المالية المنظمة مع ربط النقابات وأرباب العمل والحكومة، ودعم الرفاه الاجتماعي والمشاريع الوطنية مثل خطة مارشال وGI Bill، لكن انهيار نظام بريتون وودز عام 1971 وأزمة الركود التضخمي أنهيا هذه المرحلة.

• الرأسمالية 3.0: النيوليبرالية بقيادة ريغان وثاتشر، مع تحرير البنوك وخصخصة الصناعات وفتح الأسواق العالمية. نجحت هذه المرحلة في رفع مليارات من الفقر عالميًا، لكنها انهارت خلال الأزمة المالية العالمية 2008 نتيجة الإفراط في المخاطر المالية وضعف الرقابة.

القوى الخمس التي هزّت الرأسمالية اليوم:

1. الشيخوخة الديموغرافية:

انخفاض معدلات المواليد في الدول المتقدمة وزيادة نسبة كبار السن يضع ضغوطًا على أنظمة المعاشات والرفاهية. الأجيال الشابة أصبحت مضطرة لتحمل تكاليف ووعود مالية للأجيال السابقة، ما يوسع الفجوة بين الأجيال ويزيد الشعور بعدم العدالة.

2. العولمة:

توسع التجارة العالمية وتحرير الأسواق عزز النمو الاقتصادي، لكنه أضعف الطبقة الوسطى في الدول الغربية، وخلق طبقة هشّة أو “precariat” تعمل بلا أمان وظيفي أو استقرار مالي، ويصل تقدير حجمها إلى ربع سكان الغرب.

3. المالية المفرطة:

التطورات المالية المركبة أدت إلى فقدان الاتصال بين رأس المال والمستخدمين الفعليين له، وخلق كوارث اقتصادية مثل انهيار سوق الإسكان الأمريكي وأزمة النفط غير المسبوقة.

4. المخاطر الأخلاقية:

تدخل الدولة لإنقاذ البنوك والمؤسسات المالية بعد الأزمات شجع على المخاطرة المفرطة، ما يعمّق اعتماد السوق على الحكومة ويؤدي إلى تكرار الأزمات.

5. التركيز والاحتكارات:

الشركات الكبرى، خصوصًا شركات التكنولوجيا مثل أمازون وجوجل وفيسبوك، استغلت السيولة المتاحة والضمانات الحكومية لتعزيز سيطرتها على الأسواق، مانعة المنافسة، ومتسببة في زيادة الفجوة الاقتصادية واستقطاب الثروة.

مستقبل الرأسمالية والحلول المقترحة:

يؤكد الخبراء أن الرأسمالية يمكنها التكيف، كما حدث بعد الكساد الكبير وأزمات الركود السابقة، لكنها بحاجة إلى إصلاحات جوهرية لتجنب انهيار النظام. الحل المحتمل الذي يثير النقاش هو الدخل الأساسي الشامل (UBI)، حيث يحصل كل فرد على مبلغ ثابت بغض النظر عن عمله، لتعويض فقدان الوظائف بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي، ولضمان استمرار الديمقراطية واستقرار المجتمع.

يدعو المؤيدون للدخل الأساسي الشامل إلى استخدامه لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال والحفاظ على التوازن الاجتماعي، بينما يحذر المعارضون من أنه قد يقلل من دافع الأفراد للعمل. ويشير بعض الخبراء إلى أن الرأسمالية، رغم عيوبها، تظل أفضل نظام اقتصادي متاح، لكنها بحاجة إلى التكيف مع الواقع الجديد الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة على طبيعة العمل والاقتصاد العالمي.