الصين تسجل فائض تجارة قياسي وتواجه تحديات فائض الحديد والصناعات الثقيلة

سجلت الصين فائضاً تجارياً تاريخياً تجاوز 1 تريليون دولار بعد تعافي الصادرات في تشرين الثاني/نوفمبر عقب تراجع غير متوقع في الشهر السابق. وارتفعت الصادرات بنسبة 5.9% مقارنة بالعام الماضي، متجاوزة توقعات الاقتصاديين البالغة 4% وفق استطلاع أجرته وكالة بلومبيرغ، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 1.9% فقط، ما رفع الفائض الشهري إلى 112 مليار دولار.
وتعكس هذه الأرقام كيف أن الاقتصاد الصيني يعتمد بشكل كبير على الطلب الخارجي لتعويض ضعف الاستهلاك المحلي وتباطؤ سوق العقارات، حيث تواصل الشركات الصينية الاستفادة من الأسواق الأخرى لتعويض تراجع الشحنات إلى أميركا، التي انخفضت بنسبة 29% للشهر الثامن على التوالي، وهو أكبر تراجع منذ آب/أغسطس الماضي. بالمقابل، شهدت الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية وأفريقيا نمواً قوياً، ما ساهم في دعم الفائض التجاري.
ويشير المحللون إلى أن هذا الفائض التاريخي يعكس قدرة الصين على الاستفادة من انتعاش الأسواق العالمية والتخفيف من تأثير التباطؤ المحلي، لكنه يثير أيضاً تساؤلات حول التوازن الاقتصادي للبلاد، حيث يعتمد النمو بشكل كبير على الطلب الخارجي، فيما يظل الاستهلاك المحلي ضعيفاً واستثمارات القطاع الخاص منخفضة.
في المقابل، تواجه صناعة الحديد الصينية تحديات كبيرة نتيجة فائض الإنتاج المستمر وضعف الطلب المحلي، وهو ما يؤثر على الأسواق العالمية. وقال إدوين باسون، المدير العام لرابطة الحديد العالمية، في تصريح لوكالة بلومبيرغ: “إغلاق أي شركة للحديد له أثر كبير على بقية الاقتصاد المحلي. لا يوجد حل عملي قصير الأجل”. ويشير هذا إلى أن فائض الإنتاج ليس مجرد مشكلة قطاعية، بل قضية مرتبطة بالاقتصاد الوطني ككل.
ويبلغ حجم قطاع الحديد في الصين مليار طن سنوياً، ويعاني من فائض بعد سنوات من التوسع السريع لتلبية مستويات الطلب التي لم تعد موجودة. كما أن الركود الطويل في سوق العقارات الصينية أدى إلى ضعف الطلب على منتجات الحديد والصلب، ما دفع الشركات إلى تصدير كميات قياسية بأسعار منخفضة إلى الأسواق العالمية، مما زاد من الضغوط على المنتجين في الدول الأخرى ورفع حدة التوترات التجارية.
وكان الحديد من أولى المنتجات التي استهدفتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عندما فرضت تعريفات جمركية على الواردات، فيما فرضت دول أخرى، مثل فيتنام، رسوم مكافحة الإغراق على الصادرات الصينية. وقال باسون: “السوق المفتوح الذي تمتعنا به بين عامي 2000 و2020 يختفي تدريجياً. قدرة المواد على التدفق بين القارات موضوع مهم للصناعة”.
ويتوقع خبراء رابطة الحديد العالمية انخفاض الطلب على الحديد الصيني بنسبة 2% في 2025 و1% إضافية في 2026، وهو ما يشير إلى استمرار الركود في القطاع، رغم ارتفاع حجم الصادرات. وأوضح مسؤول آخر في الرابطة أن إعادة هيكلة هذا القطاع، المسؤول عن نحو 8% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، تتطلب تعاوناً غير مسبوق بين الدول والشركات، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التوترات التجارية وانقسام الأسواق.
رغم هذه التحديات، من المرجح أن يدعم الفائض التجاري والنمو القوي في الأشهر الأولى من 2025 تحقيق الصين هدفها الرسمي للنمو الاقتصادي البالغ نحو 5%، ما يعكس قدرة البلاد على تعويض ضعف الطلب المحلي بالطلب الخارجي. ويظل هذا الفائض مؤشر قوة على قدرة الصين على مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية والخارجية، لكنه يسلط الضوء أيضاً على الحاجة إلى إصلاحات هيكلية طويلة الأجل لتحسين التوازن بين الاستهلاك المحلي والصادرات، وتقليل الاعتماد على الطلب الخارجي.
وفي ظل هذه الظروف، يراقب المستثمرون والصناع العالميون عن كثب أداء الصين التجاري والصناعي، حيث أن أي تغييرات في السياسات التجارية أو في القطاع الصناعي، خصوصاً الحديد والصلب، قد يكون لها انعكاسات مباشرة على أسواق السلع والطاقة والنمو الاقتصادي العالمي.
