تشريع العملات المستقرة يشعل الجدل: دعم للدولار أم مبالغة في التوقعات؟

أثارت العملات الرقمية المستقرة أو ما يُعرف بالـ”Stablecoins” جدلاً واسعًا على وول ستريت بعد إقرار تشريع جديد في الولايات المتحدة لتنظيمها، وسط توقعات بأن تصبح هذه العملات الرقمية المدعومة بالدولار مصدرًا جديدًا للطلب على سندات الخزانة قصيرة الأجل وداعمًا محتملًا للدولار. إلا أن محللين من بنوك كبرى مثل JPMorgan وDeutsche Bank وGoldman Sachs يشيرون إلى أن الوقت ما زال مبكرًا لإعلان أن هذه العملات ستشكل نقلة نوعية، مع تحفّظ البعض على المخاطر المحتملة.
تُعد العملات المستقرة رموزًا رقمية مربوطة عادة بالدولار، وتتيح تخزين الأموال رقميًا أو استخدامها للتحويلات الفورية، وتعد أقل تقلبًا مقارنة بالعملات المشفرة التقليدية مثل البيتكوين. ومنذ إقرار قانون Genius Act في تموز/يوليو، يتوقع مؤيدو التشريع أن يشهد سوق العملات المستقرة المدعومة بالدولار نموًا هائلًا، حيث قد يصل إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2030 مقارنة بنحو 300 مليار دولار حاليًا، وفق تقديرات وزير الخزانة سكوت بيسنت.
وبموجب التشريع الجديد، يُلزم مصدرو العملات المستقرة بدعم كل وحدة نقدية رقمية بالدولار بأوراق مالية خزينة وأدوات نقدية أخرى، ما قد يزيد الطلب على سندات الخزانة قصيرة الأجل ويقلل اعتماد الحكومة على الديون طويلة الأجل، مؤثرًا على أسعار الفائدة ومعدلات الرهن العقاري. ومع ذلك، يرى محللون أن التأثير الفعلي على سوق سندات الخزانة قد يكون محدودًا، إذ أن الطلب الجديد قد يأتي من تحويل الأموال بين أدوات موجودة بالفعل مثل صناديق السوق النقدية أو الودائع البنكية، ما لا يخلق طلبًا إضافيًا حقيقيًا.
ويهيمن على سوق العملات المستقرة حاليًا عملتا Tether USDT وCircle USDC، اللتان تمثلان نحو 125 مليار دولار من سندات الخزانة، أي ما يقارب 2% من السوق القائمة، بينما تمتلك صناديق السوق النقدية الأميركية نحو 3.4 تريليون دولار من سندات الخزانة، ما يظهر الفرق الكبير في الحجم. كما يحذر بعض الخبراء من أن زيادة الطلب على العملات المستقرة قد تؤدي إلى تحول بعض رؤوس الأموال من أدوات موجودة بالفعل إلى هذه العملات، دون زيادة صافية حقيقية في الطلب على السندات.
وإضافة إلى المخاوف المحلية، يرى بعض الاقتصاديين أن الفرصة الحقيقية للعملات المستقرة تكمن في الأسواق الخارجية، حيث يقبل المستثمرون على الدولار مقابل عوائد صفرية، مما قد يؤدي إلى تدفقات رأسمالية كبيرة من البنوك في الدول النامية بحلول 2028. ويطور كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك الصين الشعبي عملاتهما الرقمية لمواجهة منافسة العملات المستقرة بالدولار.
كما اشارت وكالة بلومبيرغ ، من ناحية أخرى، قد يؤثر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على فعالية العملات المستقرة في زيادة الطلب على السندات، إذ إن احتجاز الدولارات في هذه العملات يخفّض السيولة المتاحة لدى الفيدرالي، ما قد يؤدي إلى تعديل حجم محفظة السندات التي يمتلكها البالغ قيمتها 4.2 تريليون دولار. وتشير التقديرات إلى أن نمو العملات المستقرة بمقدار 1.5 تريليون دولار خلال خمس سنوات قد يولد حوالي 200 مليار دولار سنويًا كطلب إضافي على سندات الخزانة، وهو رقم مهم لكنه ضئيل مقارنة بحجم الدين العام الأميركي البالغ أكثر من 30 تريليون دولار والمتوقع أن يرتفع بمقدار 22 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
باختصار، بينما يشكل التشريع الجديد فرصة لتعزيز استخدام العملات المستقرة وتحفيز الطلب على الدولار وسندات الخزانة، يبقى السوق في مرحلة مبكرة، والمحللون يبدون حذرين بشأن سرعة النمو والتأثير الفعلي على المالية الأميركية والأسواق العالمية.
