رسالة البابا الأخيرة

لحظة هبوط طائرة البابا لاون الرابع عشر في مطار رفيق الحريري-بيروت(رئاسة الجمهورية)
اختتم البابا لاون الرابع عشر زيارته التاريخية إلى لبنان في اليوم الثالث من جولته الرسولية، حاملاً رسالة وداعية شكّلت ذروة خطابه الروحي والإنساني. فقد بدأت صبيحة اليوم الأخير بزيارة "مستشفى دي لا كرو" في جل الديب، حيث التقى المرضى والعاملين وشكرهم على ما وصفه بـ«شجاعة المحبة» التي تُبقي المجتمع اللبناني واقفًا رغم أزماته. ومن المستشفى، انتقل في موكب بسيط نحو مرفأ بيروت حيث وقف في صمت مؤثر عند موقع الانفجار، رافعًا صلاةً لأرواح الضحايا ومطالبًا بـ«عدالة لا مساومة فيها» بحسب ما ذكرت وكالة أسوشييتد برس التي أكدت أنّ اللقاء مع أهالي الضحايا حمل أبعادًا وجدانية عميقة.
توجّه البابا بعد ذلك إلى الواجهة البحرية في وسط بيروت ليترأس قدّاسًا شارك فيه عشرات الآلاف من اللبنانيين من مختلف الطوائف. في عظته الختامية، التي وصفتها Vatican News بأنها «أشد رسائل الزيارة وضوحًا»، دعا إلى «نزع سلاح القلوب» كشرط أول لتحقيق المصالحة الوطنية، مشددًا على أنّ لبنان ليس مجرد وطن صغير مثقل بالأزمات، بل «رسالة سلام» قادرة على إلهام الشرق والغرب. وقال إن الامتنان الذي يشعر به تجاه الشعب اللبناني يجب أن يتحوّل في حياتهم اليومية إلى فعل، لا إلى شعور عابر، فعل يترجم تضامنًا وتماسكًا ومبادرات اجتماعية تحمي النسيج الوطني من التفكك.
وفي خطابه الأخير قبل مغادرته مطار بيروت، وجّه البابا نداءً إلى الشباب اللبناني تحديدًا، كما ذكرت صحيفة ذا غارديان، مؤكدًا أنّ «الإغراء بالهجرة مفهوم، لكن القوة الحقيقية هي في البقاء والعمل من أجل التغيير». واعتبر أنّ مستقبل لبنان لا يصنعه الخارج بل أبناؤه، وأنّ «الأرض التي أنبتت القديسين قادرة على أن تنبت فجرًا جديدًا إن تمسّك أهلها بالأمل». ولم يخفِ البابا إدراكه لثقل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، غير أنّه شدّد على أنّ مواجهة المحن تتطلب إرادة جماعية، ووعيًا بأن الخلاص «لن يكون حزبيًا ولا طائفيًا بل وطنيًا».
أما من حيث الحضور، فقد جمع اليوم الأخير ممثلين عن مختلف الطوائف والفاعليات السياسية والدبلوماسية، وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أنّ كلمات الوداع في المطار الرسمي جاءت في أجواء رسمية هادئة، لكنّها محمّلة بتأثر واضح لدى المشاركين. وقد حرص البابا في كلمته النهائية على شكر البطريرك الماروني وقيادات الطوائف الإسلامية التي التقاها في اليومين السابقين، مؤكدًا أنّ التعايش اللبناني ليس شعارًا بل كنزًا على العالم أن يصونه.
بهذا الوداع، ختم البابا لاون زيارته التي امتدّت ثلاثة أيام، وقد شملت محطات روحية وسياسية عديدة من بكركي إلى عنّايا وحرّيصا، وصولًا إلى لقاءات رسمية مع رئيس الجمهورية وقادة دينيين. كل تلك المحطات، كما ذكرت أسوشييتد برس وVatican News، صُمّمت لتؤكد رسالة واحدة حملها البابا في قلبه: أنّ لبنان، رغم جراحه المفتوحة، ما زال يملك الطاقة ليكون «منارة أمل» في منطقة تشتعل فيها الصراعات. وفي كلماته الأخيرة، ترك البابا باب الرجاء مفتوحًا، مؤكدًا أنّه يغادر لبنان بجسده فقط، اما بصلاته وقلبه فسيبقى قريبًا من شعبه إلى حين انبلاج الفجر الذي يستحقونه.
