هجرة العقول العربية 2025

وصلت ظاهرة هجرة العقول العربية في عام 2025 إلى مستوى يُعدّ أكثر من مجرد أزمة مؤقتة، بل أصبح يشير إلى تحدٍّ هيكلي يواجه المنطقة. لم يعد الحديث عن مغادرة بعض الشباب المتفوقين مجرد موضوع ثانوي، بل تحوّل إلى هجرة جماعية للأطباء والمهندسين والباحثين والأكاديميين والمبدعين. ووفقاً لتقارير صحيفة اليوم السابع، فقد غادر آلاف الكفاءات العربية خلال العام الماضي، ما ترك فراغاً معرفياً كبيراً تكافح المؤسسات المحلية لملئه.
تعتبر الضغوط الاقتصادية المحرك الأساسي لهذه الظاهرة، فارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض الأجور، وتدهور الظروف الاقتصادية تدفع الشباب للبحث عن فرص أفضل في الخارج. ففي لبنان، تجاوزت نسبة البطالة بين خريجي الجامعات 30%، بينما تبقى الرواتب المبدئية في قطاعات مثل الهندسة وتكنولوجيا المعلومات أقل من 40% مما يحصل عليه نظيرهم في الدول المتقدمة، وفقاً لتقارير ME Observer. وحتى في دول عربية ذات اقتصاد أقوى مثل الأردن والإمارات، أدت موجة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة إلى تقليل القيمة الحقيقية للأجور، مما دفع المزيد من الكفاءات إلى التفكير بالهجرة بحثاً عن استقرار مالي أفضل.
ويضاف إلى ذلك ضعف الاستثمار في البحث العلمي والابتكار، وهو عامل حاسم في تسريع الهجرة. إذ تواجه العديد من الجامعات والمراكز البحثية نقصاً مزمنًا في التمويل، ومعدات مختبرية قديمة، وضعف الوصول إلى التعاون الدولي. ووفقاً لتقارير الإسكوا، بلغ متوسط الاستثمار العربي في البحث والتطوير في عام 2024 نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي بلغ 2.2%. هذا النقص يجعل الباحثين والعلماء يشعرون بأن طموحاتهم المهنية تتعثر، ويدفعهم للعمل في أوروبا أو أميركا الشمالية أو دول الخليج حيث الميزانيات البحثية تفوق العربية بما بين 10 إلى 20 ضعفاً، بحسب اليوم السابع.
تساهم حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في تفاقم الأزمة، إذ يشعر الكثير من الشباب بعدم الأمان في بلدانهم، خصوصاً في الدول التي تعاني من النزاعات أو ضعف المؤسسات الحكومية، حسب تقارير العراق اليوم. ووفقاً لهذه التقارير، غادر أكثر من 20 ألف محترف عراقي البلاد خلال العامين الماضيين، لأسباب تتعلق بانهيار المؤسسات وضعف الخدمات العامة. وظهرت ظاهرة مشابهة في سوريا واليمن وليبيا، حيث أدت النزاعات المستمرة إلى تسريع فقدان الكفاءات.
ويضاف إلى ذلك دور النظام التعليمي في تفاقم الأزمة، فبالرغم من أن الجامعات العربية تخرج أكثر من 5 ملايين طالب سنوياً، إلا أن الأسواق المحلية غير قادرة على استيعابهم بشكل مناسب. كثير من الخريجين يجدون صعوبة في الحصول على وظائف تتوافق مع إختصاصاتهم، أو في الوصول إلى التدريب العملي الكافي، ما يجعل الهجرة الخيار الأقرب لتحقيق المستقبل المهني، وفقاً لتقديرات الإسكوا. ويُشير التقرير إلى أن نحو 45% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم، ما يزيد من فجوة المهارات ويحرمان المجتمعات المحلية من الكفاءات التي استثمرت فيها.
وتكشف الإحصاءات عن حجم الخسارة الفادحة: نحو 50% من الأطباء العرب يغادرون إلى أوروبا أو الولايات المتحدة أو كندا، فيما يهاجر 25% من المهندسين والعلماء العرب سنوياً، بحسب تقديرات الإسكوا. ويؤكد موقع مجتمع أن بعض الدول العربية أصبحت تعتمد على كفاءات أجنبية مؤقتة لسد النقص في مجالات حيوية مثل الطب والهندسة، ما يعكس حجم الأزمة المعرفية والمهارية.
وتتجاوز آثار هجرة العقول العربية الجانب الاقتصادي، لتصل إلى تأثيرات اجتماعية وثقافية عميقة. فالمجتمعات التي تفقد شبابها المبدع تفقد أيضًا القدرة على الابتكار، وتضعف المؤسسات، وتصبح عاجزة عن مواجهة التحديات المستقبلية. وعندما يصبح النجاح مرادفاً للهجرة، يفقد الشباب ثقتهم بإمكانية بناء مستقبل داخل أوطانهم، وفقاً لتحليلات اليوم السابع.
ولمواجهة هذه الظاهرة، لا يكفي مجرد محاولة الحد من الهجرة. فالحل يتطلب خلق بيئة جاذبة للكفاءات، من خلال تحسين الأجور، وتوفير الأمن الوظيفي، وإتاحة فرص النمو المهني. كما يتطلب الاستثمار الجاد في التعليم والبحث العلمي والبنية التحتية، وتعزيز الشفافية ونظم تقييم الكفاءة، وتشجيع التعاون الدولي وتهيئة مسارات للعودة للكفاءات المهاجرة.
إذا لم تُتخذ هذه الإجراءات، فإن هجرة العقول لعام 2025 قد تتحول إلى نزيف دائم للمواهب العربية. وستواجه الدول نقصاً في القيادات، والابتكار، والخبرات الضرورية، مما يهدد قدرتها على المنافسة عالمياً، ويضعف قدرتها على مواجهة تحديات التنمية. فالخطر هنا ليس اقتصادياً فحسب، بل يتعداه إلى مستقبل المعرفة والثقافة والابتكار في العالم العربي للأجيال القادمة.
