فائض نفطي عالمي يقترب من 4 ملايين برميل يومياً

يشهد سوق النفط العالمي ضغوطاً متزايدة مع اتساع فجوة المعروض مقارنة بالطلب، ما يضع العالم أمام أول تخمة نفطية كبرى منذ عام 2020. ووفق تقديرات بلومبيرغ اليوم الإثنين، من المتوقع أن يتجاوز المعروض العالمي الطلب خلال هذا العام بنحو 2.4 مليون برميل يومياً، مع اتساع الفائض إلى 4 ملايين برميل يومياً في العام المقبل، وهو مستوى قياسي جديد، الأمر الذي ينعكس على الحكومات والشركات المعتمدة على النفط من جهة، ويمنح مكاسب لأطراف أخرى من جهة ثانية، وفقًا لبلومبيرغ.
ما الذي يدفع فائض النفط إلى الارتفاع؟
يتراجع نمو الطلب العالمي على النفط بسبب الضبابية الاقتصادية الناتجة عن سياسات التجارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، إضافة إلى التباطؤ الواضح في الصين، ثاني أكبر مستهلك للخام، نتيجة أزمة سوق العقارات وضعف الإنفاق الاستهلاكي.
في المقابل، تتجه الإمدادات نحو الزيادة. إذ تعمل أوبك+ بقيادة السعودية على تفكيك تخفيضات الإنتاج السابقة، بينما ترتفع الإمدادات من الدول خارج التحالف خصوصاً في الأميركيتين بوتيرة عالية.
أما روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط عالمياً، فتبقى عاملاً معقداً. فالعقوبات الأميركية الجديدة قد تعطل صادراتها، لكن الجهود الأميركية لإحياء اتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا قد تفتح الباب أمام تخفيف العقوبات، ما يعزز تدفق النفط الروسي إلى الأسواق.
الفائزون في عالم فائض النفط
1. الدول المستوردة للنفط
الدول المستهلكة الكبرى وأبرزها الصين التي تعزز احتياطياتها الاستراتيجية، والهند التي تواجه ضغوطاً أميركية لوقف استيراد النفط الروسي ستكون أكبر المستفيدين.
الهند، ثالث أكبر مستهلك عالمي، زادت مشترياتها من الخام الروسي بعد غزو أوكرانيا بسبب الخصومات الكبيرة، لكن انخفاض الأسعار عالمياً قد يجعل التحول نحو النفط الشرق أوسطي أقل تكلفة.
2. دونالد ترامب
انخفاض أسعار النفط يترجم إلى انخفاض في أسعار الوقود وهو مؤشر اقتصادي يستخدمه ترامب بشكل أساسي.
وخلال الأشهر العشرة الأولى من ولايته الثانية، تراجع متوسط سعر البنزين الوطني بنحو 12 سنتاً لكنه ظل فوق 3 دولارات للغالون وهو مستوى لم ينخفض تحته منذ 2021.
لكن الانخفاض الكبير في الأسعار قد يهدد صناعة النفط الأميركية، ما يصطدم بشعار ترامب المعروف "Drill, baby, drill".
3. شركات التكرير
تستفيد مصافي النفط من تراجع أسعار الخام، إذ ترتفع هوامش الربحية لعمليات تحويل النفط إلى منتجات مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات.
وفي منتصف نوفمبر، وصلت هوامش المصافي الأميركية إلى أعلى مستوياتها الموسمية منذ 2022.
ومع محدودية القدرة العالمية على التكرير، يُتوقع أن تنخفض أسعار المنتجات المكررة بوتيرة أقل من انخفاض الخام، وهو ما يفيد الدول التي تستورد النفط الخام وتقوم بتكريره محلياً.
4. المتداولون في أسواق النفط
ارتفع الطلب على الخيارات الهبوطية (Put Options) في خام غرب تكساس، ما يعكس استعداد المضاربين لمزيد من الهبوط.
وبحسب بيانات مراكز المستثمرين، كان مديرو الأموال الأقل تفاؤلاً بالنفط الأميركي منذ بدء تسجيل البيانات قبل إدراج الشركات الروسية الكبرى ما يعني أن هبوط الأسعار لاحقاً أكد صحة رهاناتهم.
كما ارتفعت المخزونات الأميركية (باستثناء الاحتياطي الاستراتيجي) إلى أعلى مستوى في خمسة أشهر، فيما سجلت كميات النفط العائم على الناقلات مستوى قياسياً جديداً.
5. الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي
الأسعار المنخفضة توفر فرصة للولايات المتحدة لإعادة ملء احتياطيها الاستراتيجي، الذي كان ممتلئاً بنسبة 60% فقط في منتصف نوفمبر، بعد السحب الكبير خلال أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، تم منح عقود بقيمة 56 مليون دولار لشراء 900 ألف برميل.
لكن التمويل المتاح حتى 2029 لا يتجاوز 171 مليون دولار أي أقل من 3 ملايين برميل بأسعار اليوم في حين أن الوصول للسعة الكاملة يتطلب شراء 300 مليون برميل.
الخاسرون في عالم فائض النفط
1. الدول النفطية (Petrostates)
تتضرر الدول المعتمدة على عائدات النفط، وعلى رأسها السعودية التي تنفّذ برنامج رؤية 2030 المعتمد على استثمارات ضخمة في المشاريع الضخمة مثل نيوم، ومنتجعات البحر الأحمر، ومصانع السيارات الكهربائية، ومراكز البيانات.
رغم إعادة ترتيب أولويات المشاريع وتأجيل بعضها، تتوقع المملكة عجزاً مالياً لعدة سنوات.
وتُقدّر بلومبيرغ إيكونوميكس أن السعودية تحتاج إلى سعر 98 دولاراً للبرميل لمعادلة الميزانية، و115 دولاراً عند احتساب إنفاق صندوق الاستثمارات العامة وهو مستوى أعلى بكثير من متوسط سعر 69 دولاراً لبرنت هذا العام.
2. روسيا
العقوبات أجبرت روسيا على الاعتماد على الصين والهند، اللتين تفرضان خصومات كبيرة للاستمرار في شراء النفط الروسي المنقول بحراً.
في تشرين الثاني/ نوفمبر، كان خام الأورال الروسي أرخص من برنت بأكثر من 20 دولاراً للبرميل، رغم أن الفارق أقل من ذروة الحرب، لكنه أكبر بكثير من الخصم التاريخي بين 2 و4 دولارات.
الضرائب على النفط والغاز تشكّل نحو ربع الميزانية الروسية، وقد انخفضت إيراداتها إلى أدنى مستوى منذ 2020.
ورغم تقليل موسكو من أثر العقوبات الجديدة، فإن ارتفاع كمية النفط الروسي العالق على الناقلات يوحي بتردد المشترين.
3. صناعة النفط الصخري الأميركية
تحتاج معظم الشركات الأميركية سعراً لا يقل عن 65 دولاراً للبرميل لتحقيق الربحية.
وعند انخفاض الأسعار إلى 50 دولاراً، قد تتوقف الحفارات وتُعطَّل أساطيل التكسير الهيدروليكي.
أكثر من 10% من الحفارات الموجهة للنفط توقفت منذ بداية العام، ومن المتوقع تسارع التراجع في الأشهر المقبلة.
ويُرجّح أن تؤدي هذه الظروف إلى موجة اندماجات جديدة تستهدف الشركات الأصغر ذات المواقع الأقل جودة.
4. شركات النفط الكبرى
رغم أن الشركات الكبرى أقل تعرضاً للضرر بسبب أعمال التكرير والتجارة، فإن أرباح إكسون، شيفرون، شل، توتال، وبي بي تقلّصت بأكثر من النصف مقارنة بما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، وقد تتراجع أكثر.
لكن التراجع هذه المرة ليس بمستوى 2014 أو 2020.
وتبحث شركات مثل إكسون عن فرص للاستحواذ، بينما أكدت رئيسة أوكسيدنتال أن الأسعار المنخفضة اليوم ستؤدي إلى نقص استثمارات مستقبلية، ما يجعلها "متفائلة جداً" بارتفاع الأسعار بعد عام 2027.
5. التحول الطاقوي
قطاع النقل البري أكبر مستهلك للنفط عالمياً.
ورغم تعوّد المستهلكين على تقلبات أسعار الوقود، فإن الانخفاض المستمر قد يبطئ وتيرة التحول نحو السيارات الكهربائية.
لكن في مناطق مثل أوروبا وكاليفورنيا، قد يكون أثر انخفاض الأسعار محدوداً بسبب الضرائب المرتفعة على الوقود.
