Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

ميزانية بريطانيا: إنفاق بـ2.1 تريليون دولار وضرائب قياسية

freepik__the-style-is-candid-image-photography-with-natural__28654

أعلنت وزيرة الخزانة البريطانية رايتشل ريفز ميزانية وُصفت بأنها كافية لحماية موقعها السياسي وموقع رئيس الوزراء كير ستارمر، من خلال إعادة بناء هامش مالي مهم وتوسيع منظومة الرعاية الاجتماعية. وبحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ نُشر يوم الخميس، لاقت هذه الخطوة ترحيباً من المستثمرين ومن نواب حزب العمال الذين كانوا قد عرقلوا سابقاً خطط الإنفاق. ومع ذلك، أشارت المؤشرات إلى أنه على الرغم من الحجم الهائل للميزانية البالغ 1.6 تريليون جنيه إسترليني نحو 2.1 تريليون دولار، فإنها لن تكون كافية وحدها لتحسين آفاق بريطانيا الاقتصادية على المدى الطويل.

ورغم إعلان الحكومة أن “النمو هو المهمة رقم واحد”، لم تتضمن الخطة الكثير فيما يتعلق بتحفيز النمو الاقتصادي، ولم تشمل إصلاحات ضريبية جوهرية. كما فشلت في تقديم الرؤية الواسعة التي يقول نواب حزب العمال إنها ضرورية لاستعادة الدعم الشعبي في مواجهة المنافسة من حزب “ريفرم يو كاي” بقيادة نايجل فاراج.

ورفعت الميزانية الضرائب على 1.7 مليون من العمال العاديين والأثرياء لتمويل توسيع مزايا الرعاية الاجتماعية ودعم فواتير الطاقة للأسر ذات الدخل المنخفض، على أن تدخل أكبر هذه الزيادات حيّز التنفيذ مع اقتراب الانتخابات العامة المقررة في عام 2029. وقال جيم أونيل، المسؤول السابق في الخزانة وكبير الاقتصاديين السابق في "غولدمان ساكس": "عندما تواصل الحكومة التظاهر بأن لا شيء يحتاج إلى معالجة، فإن النتيجة تكون غير ملهمة ومخيّبة للآمال."

وشهد إطلاق الميزانية حادثة غير مسبوقة تمثّلت في تسريب تقرير مكتب مسؤولية الميزانية المؤلف من 197 صفحة قبل ساعة من موعد إصداره الرسمي بسبب خطأ. وقد اعتذر رئيس المكتب ريتشارد هيوز وفتح تحقيقاً، وقال إنه مستعد للاستقالة إذا طُلب منه ذلك. ووصفت ريفز الحادثة بأنها “خطأ جسيم”.

ورغم الفوضى، جاءت تقييمات المكتب المالية لصالح ريفز. فقد كان من المتوقع أن يؤدي خفض متوقع في تقديرات الإنتاجية إلى أزمة مالية تتطلب منها العثور على 30 مليار جنيه (38 مليار دولار) للامتثال لقاعدتها المالية التي تنص على ضرورة أن تغطي الضرائب حجم الاقتراض في عامي 2029–2030. لكنّ الضرر جاء أقل بكثير حوالي 6 مليارات جنيه (7.6 مليار دولار) فقط إذ ساهم نمو الأجور وارتفاع التضخم في زيادة الإيرادات الضريبية وتعويض ضعف النشاط الاقتصادي.

ومع ذلك، رفعت ريفز الضرائب بمقدار 26 مليار جنيه نحو 33 مليار دولار هذا العام بعد زيادة أكبر في العام الماضي. ووفقاً لمعهد الدراسات المالية، فإن الزيادات عبر ميزانيتين خلال 13 شهراً تشكل أكبر موجة رفع ضرائب تقوم بها أي حكومة منذ عام 1970 على الأقل. ومن المتوقع أن يصل العبء الضريبي الإجمالي إلى مستوى قياسي يعادل 38.3% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد غطّت الإجراءات الأخيرة تكاليف تراجع حزب العمال عن بعض قراراته السابقة، وساعدت في خفض فقر الأطفال وتقليل فواتير الطاقة، وزادت الهامش المالي الذي تعتبره الأسواق مؤشراً أساسياً على استدامة المالية العامة ليصل إلى 22 مليار جنيه (28 مليار دولار)، بزيادة 12 مليار جنيه نحو 15.2 مليار دولار.

وقال جوردان روشيستر، رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي في "ميزوهو" بلندن: "ما يهمنا ليس العرض المسرحي بل الأرقام، ويبدو أن الأسواق تعاملت مع هذا الحدث بشكل جيد."

ومع ذلك، خفّض مكتب مسؤولية الميزانية توقعات النمو لكل السنوات المتبقية من عمر البرلمان، في إشارة إلى أن التحديات الاقتصادية طويلة الأمد لا تزال بلا حلول.

سياسياً، جاءت الميزانية في وقت حساس بهدف تعزيز الدعم للقيادة بعد حديث عن تحدٍ داخلي محتمل. ولا يزال ستارمر يواجه خطراً سياسياً إذا حقق حزب العمال نتائج ضعيفة في انتخابات مايو المحلية أمام حزب "ريفرم" والحزب الأخضر الصاعد. ومع ذلك، رحّب الجناح اليساري في الحزب بالميزانية، خصوصاً بعد التراجع عن تخفيضات الرعاية الاجتماعية في وقت سابق.

ومن بين الخطوات التي لاقت استحسان اليسار: فرض رسوم إضافية على العقارات التي تتجاوز قيمتها 2 مليون جنيه نحو 2.54 مليون دولار، وفرض 4.7 مليارات جنيه (5.97 مليارات دولار) من الضرائب على المدخرات لتمويل إزالة سقف الطفلين في إعانات الأسرة. كما رفعت الميزانية الحد الأدنى للأجور بنسبة 4.1%، وجمّدت ضريبة الوقود وأسعار القطارات، وخفّضت تكاليف الطاقة من خلال ضرائب موجهة نحو الأكثر ثراءً.

وقال الوزير السابق جاستن مادرز: "ليست ميزانية ضخمة العطاءات، لكنها ميزانية يمكنني الدفاع عنها، وستقلّل التكهنات حول مستقبل رئيس الوزراء ووزيرة الخزانة." وأضاف: "لو أن الميزانية وصلت بشكل سيئ لكانت قد فاقمت الوضع السياسي، لكنها في الواقع وصلت بشكل جيد."

وفي حين دعمت مجموعة "تريبيون" اليسارية الميزانية باعتبارها “ميزانية عمالية تعبّر عن قيم الحزب”، كان نواب الجناح اليميني أقل رضا بسبب غياب الإجراءات التي تساعد الحكومة على تحقيق مهمتها الأساسية المتمثلة في تعزيز النمو.

وقال نايجل فاراج: "إنها ميزانية تهاجم الطموح والمدخرات، وتجعل العمال يدفعون تكلفة فاتورة رفاه اجتماعي لا تظهر أي مؤشرات على انخفاضها."

وقد شاركت مجموعات الأعمال هذه المخاوف. إذ قالت راين نيوتن-سميث، الرئيسة التنفيذية لاتحاد الصناعة البريطاني:
"مهمة النمو الحكومية متوقفة حالياً، والنهج المتناثر للضرائب قد يُبقي الاقتصاد عالقاً في الوضع المحايد."

وقالت آنا لاتش، كبيرة الاقتصاديين في معهد المديرين، إن الميزانية "ترفع العبء الضريبي على الشركات، التي عليها بالفعل تحمّل آثار زيادة ضريبة الرواتب بقيمة 26 مليار جنيه (33.02 مليار دولار) العام الماضي."

ولا تزال ذكرى خطة ليز تراس الاقتصادية الفاشلة ماثلة، ما يبرز قدرة الأسواق على معاقبة السياسات الخاطئة. وحذّر ماركوس جينينغز، استراتيجي الدخل الثابت في "شرودرز"، قائلاً إن الوزيرة "ربما لم تنجح في طمأنة المستثمرين بشأن استدامة المالية العامة على المدى الطويل."

وعلى الرغم من أن ريفز قدّمت هامشاً مالياً أكبر مما أرادته الأسواق، فإن تأجيل معظم الزيادات الضريبية، إضافة إلى توقعات اقتراض أعلى بمقدار 57 مليار جنيه (72.4 مليار دولار)، وارتفاع الدين العام من 95% إلى 97% من الناتج المحلي بحلول 2028–2029 قبل انخفاضه قليلاً، قد أثار الكثير من الأسئلة حول المسار المالي طويل الأمد للمملكة المتحدة.

سعر الصرف 1 جنيه إسترليني ≈ 1.317 دولار أميركي