Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

لبنان يشهد أولى بوادر التعافي الاقتصادي مع بدء صرف رواتب القطاع العام

26 نوفمبر 2025
وزارة المالية تعلن أن سحب الرواتب ستصبح متاحة في المصارف يوم غد

وزارة المالية "الوكالة الوطنية للإعلام"

أعلنت وزارة المالية اللبنانية اليوم الأربعاء، أن رواتب ومعاشات جميع العاملين في القطاع العام، بما في ذلك المدنيون، الأسلاك العسكرية، والمتقاعدون، باتت متاحة للسحب من المصارف الخاصة ابتداءً من يوم غدٍ الخميس الموافق 27 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وذلك بعدما تم تحويلها بالكامل إلى مصرف لبنان.
يأتي هذا الإعلان في ظل سياق اقتصادي معقد، كانت قد رسمت ملامحه مراجعة دورية واسعة النطاق لمصرف لبنان، قد صدرت في 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي قدمت تحليلاً معمقاً لمؤشرات الاقتصاد الكلي في البلاد.

استعرض المصرف في تقريره الصادر آنذاك والمكون من 44 صفحة، مؤشرات اقتصادية متنوعة، قد شملت نسب النمو، أداء القطاعات المختلفة، وصولاً إلى الأوضاع النقدية، ميزان المدفوعات، إضافة إلى الإصلاحات الهيكلية الجارية.
ورغم إشارته إلى وقائع مؤثرة في مسارات التصحيح المالي والاقتصادي، فإن بعض المؤشرات تطلبت تدقيقاً وإعادة نظر بسبب اعتماد المصرف المركزي لأدوات غير مألوفة في إعداد البيانات.

وفي هذا السياق، كان قد خلص التقرير إلى أن نسبة التضخم كانت قد انخفضت في أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي بنسبة 19.3 بالمئة، وهو ما شكّل انخفاضاً لافتاً مقارنة بالفترة السابقة، مشيرا إلى أن هذه النسبة كانت تقارب 121.6بالمئة قبل سنة واحدة بالضبط.
وقد ربط التقرير هذا الانخفاض بجملة من العوامل، حيث كان أبرزها ثبات سعر الصرف منذ منتصف عام 2023، وهو ما لجم ارتفاع الأسعار الناتج عن غلاء السلع المستوردة، كما رأى أن مصرف لبنان كان له دور في وقف التمويل النقدي للحكومة ودعم سعر الصرف، مما أدى إلى إرساء اتقرارا أكبر في سوق القطع، مع ارتفاع نسبة العمليات التجارية الجارية بالدولار النقدي، والتي أزاحت تأثير أي اضطراب في سعر صرف الليرة اللبنانية.

وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في نسبة التضخم، لفت التقرير إلى أنها ظلت مرتفعة قياساً إلى سوق يشهد ثباتاً في سعر الصرف، إذ تحدث عن ضغوط تضخمية مستمرة في الخدمات الأساسية كانت تؤثر على ميزانيات الأسر.
وكان التقرير قد فصّل أسباب الضغوط التضخمية في أربعة قطاعات رئيسية تمثلت بالتعليم (بزيادة بنسبة 50.43 بالمئة نتيجة لدولرة الأقساط، ارتفاع التكاليف، وتراجع الإنفاق الحكومي)، الإسكان (بزيادة بنسبة 28.11 بالمئة، وذلك بسبب طلب ما بعد الحرب ومحدودية العرض)، الخدمات الصحية (بزيادة بنسبة 20.9 بالمئة جراء تداعيات الحرب واضطرابات التوريد)، والغذاء (بزيادة 21.57% نتيجة لاضطرابات سلاسل التوريد وتراجع الإنتاج والقيود على المساعدات).
وفي هذا الإطار، ورغم الانخفاض السريع للتضخم في 2024، أشار المصرف المركزي إلى هذه القطاعات تعتبر محركات أساسية للتضخم المستمر.

في سياق متصل، كان مصرف لبنان يشير منذ بداية العام الحالي إلى تسجيل لبنان فوائض في ميزان المدفوعات خلال العام الماضي، حيث بلغت قيمتها حوالي 4.43 مليار دولار أميركي، إذ تحدث التقرير عن فوائض كبيرة في الحساب المالي بميزان المدفوعات، التي تجاوزت 10.3 مليار دولار أميركي، كما كان قد ربط هذه الفوائض الكبيرة، بفقدان الثقة طويلة الأجل من جانب المستثمرين، وعدم اليقين على المدى القصير، مما كان يؤدي إلى هذا النوع من التقلبات.
وفي هذا الصدد، واجهت هذه الأرقام إشكالية، حيث اعتمد مصرف لبنان منذ عام 2023 على منهجية غير تقليدية في احتسابها، فبدلاً من أن يعكس ميزان المدفوعات التبادلات المالية الفعلية مع الخارج، أدرج المصرف فوائض ناتجة عن تراجع قيمة الودائع بالليرة اللبنانية، وذلك بسبب انخفاض سعر الصرف، مما أدى إلى تفريغ المؤشر من دلالته الحقيقية كمرآة للتدفقات المالية الفعلية.
وعلى صعيد العام الحالي، لم يختلف الوضع، إذ كانت أرقام المصرف تتحدث عن فائض بقيمة 10.07 مليار دولار أميركي سجله هذا المؤشر، في حين أن التدقيق في الأرقام كان يُظهر أن المصرف ضمن البيانات الزيادة في قيمة احتياطات الذهب التي يملكها أساساً، وهو ما لا يشكل تبادلات مالية أو نقدية فعلية مع الخارج، وللقيام بهذه المقاربة غير التقليدية، استند المصرف إلى تفسير غير مألوف لمعايير صندوق النقد بخصوص طريقة قيد الزيادات في قيمة احتياطات الذهب.

في المقابل، استعرض التقرير الإصلاحات الهيكلية التي أجريت على النظام المالي في الفترة الأخيرة، حيث كان أهمها تعديل قانون السرية المصرفية، الذي أعطى مصرف لبنان، لجنة الرقابة، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، صلاحيات أوسع للوصول إلى معلومات كانت سرية، متيحا بإزالة السرية عن البيانات بأثر رجعي يمتد لعشر سنوات، كما سمح للهيئات الرقابية بتبادل المعلومات فيما بينها، وذلك بهدف تعزيز الشفافية ومكافحة الجرائم المالية.
وتضمنت الإصلاحات كذلك، إقرار قانون إصلاح أوضاع المصارف، الذي اشتمل على 37 مادة لتأطير عمليات إعادة هيكلة المصارف أو تصفيتها، بالرغم من أن تنفيذه بقي معلقاً على إقرار قانون الاستقرار المالي (أو قانون الفجوة المالية).
وفي سياق تعزيز المراقبة، جرى تحديث نظام المراقبة المالية من خلال التعميم الوسيط رقم 692 الصادر في فبراير/شباط عام 2024، والذي كان يهدف إلى فرض إنشاء وحدات امتثال متخصصة داخل المصارف، بهدف مكافحة الفساد والرشوة.
كما ألزم التعميم رقم 168 الصادر في يونيو/حزيران 2024 المصارف بتحديث بيانات المساهمين والمديرين وربطها بقوائم العقوبات المحلية والدولية.
وفي مارس/آذار 2025، صدر التعميم رقم 29 من هيئة التحقيق الخاصة، الذي ألزم بدوره شركات الذهب والمجوهرات بتطبيق إجراءات الامتثال المالي واستخدام تطبيق إلكتروني للتحقق من لوائح العقوبات، بالإضافة إلى ذلك، تم تشجيع التحول الرقمي في المصارف، عبر التعميم 133 الذي سمح برقمنة أعمال المصارف، إضافة إلى التعميم 146 الذي أجاز التعريف الإلكتروني وتم اعتماده بالكامل منذ عامين.

أما من ناحية النمو الاقتصادي، كان قد أشار المصرف غي تقريره إلى أن الناتج المحلي الإجمالي سجل انكماشاً بنسبة 6.4 بالمئة في عام 2024، ما أكد عمق الأزمة التي كان قد شهدها البلد نتيجة الحرب مع إسرائيل بين سبتمبر/أيلول، ونوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، إضافة إلى ضعف الاستهلاك الخاص وتراجع السياحة والإنتاج، إذ جاء هذا الانكماش امتداداً لفترة طويلة من التراجع الاقتصادي المستمر منذ عام 2019، والتي كانت قد قلصت حجم الاقتصاد اللبناني إلى ما يقارب 28 مليار دولار أميركي في عام 2024، بعد أن كان يناهز 53.2 مليار دولار في عام 2019، أي ما كان يعني أن الناتج تقلص بأكثر من النصف خلال خمس سنوات فقط.

وفي عام 2025، كان التقرير قد أشار إلى بدء تعافي لبنان تدريجياً من الركود، مع توقعات بنمو حقيقي متواضع، حيث كان مدفوعاً بالتحسن السياسي بعد انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، مما قد ساهم في استعادة الثقة الداخلية والخارجية.
وقد عززت عودة السياحة والاستهلاك الداخلي، مدعومة بتحويلات المغتربين، تحريك الدورة الاقتصادية بشكل محدود، كما أبرز التقرير ارتفاع ملحوظا في تسليمات الإسمنت بنسبة 39 بالمئة، رخص البناء بنسبة 18 بالمئة، وإيرادات الجمارك 128 بالمئة في النصف الأول من 2025 مقارنة بالعام السابق، حيث عكست هذه المؤشرات بداية استقرار نسبي بعد انكماش 2024 الحاد، إلا أن النشاط ظل دون مستويات ما قبل الأزمة.

في المحصلة، أوضح تقرير مصرف لبنان أن الاقتصاد اللبناني قد سجل عام 2025 نقطة تحول تتسم بالحذر، مقارنة بالسنوات الفائتة، حيث عادت البلاد إلى مسار النمو، بالرغم من أن مستوياته ظلت ضئيلة ومحدودة، مع بقاء الآفاق مرهونة باستدامة الاستقرار السياسي، ومواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
هذه النظرة توافقت مع تقرير البنك الدولي الأخير، الذي أشار أيضاً إلى علامات انتعاش بسيطة، لكنه أكد ضرورة استكمال الإصلاحات لضمان نمو مستدام مستقبلاً.
وفي ذات السياق، يمثل إعلان وزارة المالية اليوم عن توفر الرواتب والمعاشات تأكيداً للجهود الحكومية المتواصلة لتوفير الاستقرار المالي للمواطنين، في خضم هذه التحولات الاقتصادية الدقيقة.

لبنان يشهد أولى بوادر التعافي الاقتصادي مع بدء صرف رواتب ... | Ektisadi.com | Ektisadi.com