Contact Us
Ektisadi.com
إعلام وفنون

فيروز… صوتٌ لا يشيخ

photo_2025-11-21_17-00-20

الفنانة فيروز

في مثل هذا اليوم، وُلدت فيروز، الصوت الذي سيغدو لاحقاً علامةً فارقة في الوجدان العربي، وصورةً للصباح الذي يشبه الأمل. خرجت إلى الحياة في بيت بسيط من بيوت بيروت، حيث كانت الموسيقى تلامس طفولتها قبل أن تدرك هي أنّها ستصبح أحد أهمّ أعمدة الفنّ العربي. منذ صغرها، حمل صوتها نبرة لا تتكرّر، نبرة تجمع بين الرهافة والقوّة، بين الحزن النبيل والفرح الهادئ.

بدأت مسيرتها الفنية بخطوات متواضعة، ثم راحت هذه الخطوات تتّسع مع كل أغنية، ومع كل تجربة جديدة خاضتها. لم يكن طريقها سهلاً، لكنّ حضورها كان كافياً ليؤكّد أنّ الموهبة الحقيقية لا تحتاج إلى كثير من الضجيج كي تُسمَع. ومع الزمن، تحوّل صوتها إلى مدرسةٍ مستقلة، لا تشبه أحداً ولا يشبهها أحد.

تميّزت أغنياتها بقدرتها على ملامسة القلب مباشرةً، من غير زخرفة ولا ادّعاء. غنّت للحبّ، فصار صوتها لغة العاشقين، وغنّت للحنين فصار صوتها مرآةً للذاكرة، وغنّت للأرض فارتبط اسمها بكل معنى من معاني الانتماء. كان صوتها قادراً على تحويل الكلمات إلى صور، والموسيقى إلى شعور ساطع يعيش في القلب طويلاً.
ومن أشهر أغانيها التي أثرت الوجدان العربي وأصبحت جزءاً من الذاكرة الجماعية:
"سألوني الناس"، "كان عنا طاحون"، "نسم علينا الهوا"، "حبيتك بالصيف"، "زهرة المدائن"، "بكتب اسمك يا حبيبي"، "رجعوني عينيك"، "بحبك يا لبنان"، "شتي يا دنيي"، "يا أنا يا أنا"، إضافة إلى ترانيمها الروحية التي ترافق أعياد الملايين.

ولم يقتصر حضورها على الأغنية، بل امتدّ إلى أعمال مسرحية شكّلت جزءاً من الذاكرة الفنية العربية، حيث ظهرت فيها بصدقٍ كبير، وببساطةٍ عميقة تزيد من قوة أدائها.
ومن أبرز المسرحيات التي شاركت فيها وشكّلت علامات فارقة في المسرح الغنائي:
بياع الخواتم، جسر القمر، ميس الريم، هالة والملك، لولو، بترا، الشخص، ناطورة المفاتيح، صح النوم، أيام فخر الدين وغيرها من الأعمال التي بقيت حاضرة في الذاكرة المسرحية العربية.
كذلك ظهرت في السينما، في أعمال حملت روحها الرقيقة وصورتها القريبة من الناس، فأحبوها كما لو أنّها فرد من بيوتهم.

كما نالت فيروز عدداً كبيراً من الجوائز والتكريمات العربية والعالمية، من بينها:
وسام الاستحقاق اللبناني، وسام الأرز الوطني، ميدالية القدس للثقافة والفنون، تكريمات من مؤسسات فنية عالمية، جوائز عن مجمل مسيرتها، إضافة إلى إدراج صوتها في ذاكرة اليونسكو كأحد أهم الأصوات المؤثرة في القرن العشرين.

ورغم هذا المجد الكبير، ظلّت فيروز بعيدة عن الأضواء الصاخبة. سمحت لصوتها وحده أن يتقدّم، وحافظت على مسافة بينها وبين الإعلام، لتظلّ صورتها نقية كما عرفها الجمهور منذ بداياتها. هي الفنانة التي جعلت من حضورها القليل قوةً إضافية، ومن صمتها قيمةً مضافة. لم تكن يوماً مطربة عادية، بل حالة وجدانية متكاملة.

اليوم، في عيد ميلادها، لا نحتفل بعمرٍ جديد فحسب، بل بتاريخٍ من الجمال الآسر. نحتفل بفنانة غيّرت مفهوم الفنّ في عالمنا العربي، وبصوتٍ صار ملاذاً يلتجئ إليه الناس كلما أثقلتهم الأيام. فيروز ليست ماضياً نتحسّر عليه، بل حضوراً مستمراً يتجدّد مع كل شروق شمس، ومع كل قلب يبحث عن الطمأنينة.

تبقى فيروز، مهما مرّت السنين، صوتاً لا يشيخ، ورمزاً للنقاء، ورفيقةً وفيّة لصباحاتٍ لا تكتمل إلا بها.