Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

من الورق الأصفر إلى خوارميات الذكاء الاصطناعي... كيف تطوّرت إعلانات الوظائف خلال 230 عاماً؟

تطور إعلانات الوظائف في أميركا

حين نقرأ تاريخ إعلانات الوظائف، فإننا لا نطالع مجرد سطور تبحث عن “عامل” أو “كاتب”… بل نقرأ قصة أمة تتشكّل، وصناعة تنهض، وتقنية تكتسح، ومجتمع يعيد تعريف معنى العمل جيلاً بعد جيل. من أيام الجرائد التي تصرخ بطلب “عامل مدرّب على صيد المحار” إلى عصر الذكاء الاصطناعي الذي يتولّى الفرز والتوظيف، تكشف لنا تلك الإعلانات، بما تحمله من كلمات بسيطة، تحولات اقتصادية واجتماعية هائلة.

هذا عرض زمنـيّ مثير أوردته صحيفة وول ستريت جورنال يوم الأربعاء، يبيّن كيف انتقلت إعلانات الوظائف في الولايات المتحدة من القرن الثامن عشر إلى عصر الذكاء الاصطناعي، وكيف روت كل مرحلة قصة مختلفة عن العمل والعمال وأحلام الناس.

المحطات التاريخية لتطور إعلانات الوظائف

1 - ما بعد الثورة (1783–1790s): بدايات سوق العمل الأميركي

في مرحلة بناء الأسواق المحلية بعد الاستقلال، هيمنت الإعلانات المتعلقة بالأراضي، والشحن، والحرف التقليدية.
كان العمل حينها مبنياً على تقسيم عنصري صارم بين العمال البيض المهرة والعبيد الذين يُؤجَّرون لأصحاب مشاريع مقابل مبلغ يدفع للمالك.
يرى المؤرخون أن هذه الإعلانات مبكرة في إظهار أساليب التعاقد القسري المشابهة لعمليات التوظيف غير المباشر في عصرنا (outsourcing).

2 - ازدهار العمل بالأجر (1815–1840s): عصر المشروعات الكبرى

مع التوسع الكبير في بناء القنوات والسكك الحديدية، ازداد الطلب على عمال المصانع والكتبة.
وهنا ظهرت البدايات الأولى لمفهوم إدارة الموارد البشرية، إذ احتاجت شركات السكك الحديدية لتوحيد الإجراءات وتنظيم التوظيف عبر ولايات متعددة.
كما برزت إعلانات تذكّر طالبي العمل بأن المشاريع مكلفة، وعلى الزبائن الدفع مُقدَّماً.

3 - دلالات عصر الصناعة (1840s–1860s): المكاتب الوسيطة والفساد

مع انتشار المصانع والتلغراف والتمدّن، ظهرت “مكاتب المعلومات” التي تزعم ربط الباحثين عن عمل بالوظائف.
لكن هذه المكاتب كانت عرضة للفساد: يدفع العمال رسوماً كبيرة دون ضمان الوظيفة.
لذلك بدأت الحكومات المحلية والنقابات بإنشاء مكاتب توظيف رسمية أكثر نزاهة.

4 - اقتصاد الحرب الأهلية (1861–1865)

الإنتاج العسكري والتوسع في السكك الحديدية غيّرا شكل الطلب على العمال.
في الشمال، بدأ المحرّرون حديثاً من العبودية بالعمل المأجور.
أما الجنوب فواصل “تأجير” العبيد للعمل الصناعي.
غير أن هذا النظام كان مكلفاً وغير فعّال، إذ تطلّب توفير مسكن وغذاء وحماية للعبيد المستأجرين.

5 - الطفرة الصناعية الكبرى (1870s–1890s): الهجرة والبحث عن “السمعة”

مع صعود الحديد والصلب والنفط، تدفقت الهجرات نحو المدن الصناعية، وازدحمت الجرائد بإعلانات الوظائف.
حوالي 1875 بدأت الصحف تخصيص صفحات كاملة للوظائف.
ومع تقلّص التوظيف عبر العلاقات الشخصية، صار تقييم “السمعة والأخلاق” أصعب، مما جعل خطابات التزكية والسير الذاتية عناصر أساسية.

6 - الذعر الاقتصادي ثم الانتعاش (1890s–1900s): صعود الوظائف المكتبية النسائية

بعد أزمة 1893، انتشرت الشركات الكبيرة وارتفع الطلب على الموظفين المكتبيين.
أدّى انتشار آلات النسخ والملفات الحديدية إلى تحويل كثير من وظائف النسخ التي يشغلها الرجال إلى وظائف نسائية مثل الطباعة والاختزال.
كانت هذه وظائف حديثة، غالباً ما تشغلها النساء إلى حين الزواج.

7 - ازدهار المدن (1900–1914): عصر خطوط الإنتاج

ابتكر فورد خط الإنتاج، فارتفع الطلب على العمال الصناعيين والبائعين والميكانيكيين.
وبينما خلقت التقنيات وظائف جديدة، فإنها ألغت أخرى، مثل وظيفة “صانع المسامير” التي كانت أفضل من كونك عاملاً في مصنع يصنع المسامير بشكل آلي.

8 - اقتصاد الحرب العالمية الأولى (1914–1918)

أدّى النقص في الأيدي العاملة إلى دخول النساء والأمريكيين السود إلى المصانع بكثافة.
بدأت المصانع تقدّم حوافز إضافية مثل توفير الطعام أو إمكانية شرائه داخل المصنع، وكذلك وسائل النقل.
وكان التركيز على “حماية النساء” العاملات ليلاً جزءاً من تصوّر اجتماعي عن الأنوثة والعمل.

9 - الكساد الكبير وعصر الصفقة الجديدة (1930s–1940s)

مع بطالة ضخمة وتراجع التوظيف الخاص، ظهرت إدارة الأعمال العامة WPA ضمن خطة روزفلت.
في هذه الحقبة اكتسب العمال حقوقاً جديدة مثل الضمان الاجتماعي.
تغيّر مفهوم علاقة العامل بالدولة والشركة، وبدأ التفكير في المستقبل والتقاعد بوصفهما جزءاً من العقد الاجتماعي الجديد.

10 - الازدهار ما بعد الحرب (1946–1960s): عصر السير الذاتية والميزات

مع نمو الضواحي وارتفاع التعليم بفضل GI Bill، ازدادت وظائف المهندسين والكتبة والمعلمين.
لجذب الموظفين، بدأت الشركات تقدم حزم فوائد تشمل التأمين الصحي والإجازات—ومن دون ضرائب—ما جعلها أدوات تنافسية قوية.
كما أصبحت السير الذاتية معياراً أساسياً في التوظيف.

11 - اقتصاد المعلومات (1980s–1990s): الإنترنت يغيّر قواعد اللعبة

العولمة والحواسيب الشخصية غيّرت مفهوم الوظيفة التقليدية.
ظهرت وظائف التقنية والتمويل والمعرفة، ومعها لوحات التوظيف الرقمية مثل Monster وHotJobs.
بدأ المرشحون ينشرون سيرهم الذاتية علناً—ما قد يهدّد وظائفهم الحالية—وانتشرت فكرة “العلامة الشخصية”.

12 - صعود اقتصاد العمل الحر (2008–2020): “العمل الجانبي” يصبح نظاماً

بعد الأزمة المالية العالمية، تعافى الاقتصاد عبر وظائف التقنية والرعاية الصحية، ثم ازدهر العمل الحر (Gig Economy).
تحوّلت كلمة “عمل إضافي” إلى “Side Hustle” الجذابة.
وصار الفرد يُعامل وكأنه شركة متنقلة: يسوّق لنفسه ويحدد أسعاره ويختار زبائنه.

13 - ثورة الذكاء الاصطناعي (2023–الآن): عصر تقسيم المهام بين الإنسان والآلة

الذكاء الاصطناعي يعيد رسم خريطة الوظائف بوتيرة غير مسبوقة.
ستختفي وظائف، فيما ستظهر أخرى لا نعرفها بعد.
يتحدث الباحثون عن مفهوم “التشاركية بين الإنسان والآلة” أو Heteromation—أي إعادة توزيع المهام باستمرار مع تطور التكنولوجيا.
وهذا ما نشهده اليوم بشدة.

في المحصّلة، إن رحلة إعلانات الوظائف ليست مجرد تغير في شكل الإعلان أو وسيلة نشره؛ إنها قصة تحوّل اقتصادي واجتماعي وثقافي كامل. من ورق الصحف إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، يبقى العامل المشترك هو أن الإنسان يبحث دائماً عن فرصة… بينما تتغير الأدوات والأنظمة والمهارات التي توصله إليها.

من الورق الأصفر إلى خوارميات الذكاء الاصطناعي... كيف تطوّ... | Ektisadi.com | Ektisadi.com