Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

تراجع هيمنة الدولار... وانسحاب عالمي يهدد الاقتصاد الأميركي

40417490-7b2d-4a2b-8cde-dc76f7d27fb3

تتراجع ثقة "الجنوب العالمي" في الدولار اليوم الأربعاء، إذ يأتي ذلك نتيجة لعدة عوامل تتمثل في فرض الولايات المتحدة لتعريفات جمركية على الأصدقاء والأعداء، محاولة البيت الأبيض ترهيب بنكه المركزي، استمرار الدين في الارتفاع، تحويل العقوبات للدولار إلى سلاح، بالإضافة إلى تزايد التنافس مع الصين، وتآكل اتفاقيات الأمن مع الشرق الأوسط مما يغذي عدم الثقة.
فبحسب ما نقلت بلومبيرغ، فإن سعر الصرف الأكثر مرونة في بكين، يقلل من حاجتها لتكديس الدولارات، بينما يضخ حكام الخليج المليارات في مشاريع داخلية ويغامرون باستثمارات خارجية بدلاً من ركن أموالهم في سندات الخزانة الأميركية.
ووفقا لبلومبيرغ، فإنه بالرغم من احتفاظ الدولار بنقاط قوة هائلة كونه عملة أكبر اقتصاد، أعمق أسواق مالية، وأقوى جيش في العالم، والتي تمنحه المرونة، إلا أن حصته من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية قد انخفضت بنسبة 70 بالمئة في مطلع القرن إلى أقل من 60 بالمئة حاليًا.
وعلى صعيد الولايات المتحدة الأميركية، يعد هذا التراجع مهما، إذ أن الصين والشرق الأوسط كانا يعيدان تدوير مدخراتهما في سوق الدين الأميركي، مما أدى إلى خفض تكاليف الاقتراض الأميركية، مع توفيره مليارات الدولارات.
أما على صعيد الصين، فقد توقفت بدورها عن شراء الدولارات، حيث قد تبدأ في بيعها، ما سيؤدي لارتفاع أسعار الفائدة الأميركية ببطء، أو زعزعة الأسواق في حال الانفصال السريع.
و في الخليج، أوضحت بلومبيرغ أن النفط الأرخص والإنفاق الباذخ، سيؤدي إلى استنزاف الفوائض، إضافة إلى تقليل التدفقات نحو الولايات المتحدة، كما أن تضاؤل هيمنة الدولار سيقلل من فعاليته كأداة للدبلوماسية الاقتصادية لواشنطن.
في السياق نفسه، تشهد القوى الهيكلية التي كانت تدعم قوة الدولار، تخفض تكاليف الاقتراض الأميركية، وتزيد من فعالية عقوبات الخزانة، انعكاسًا حاليًا، إذ من المتوقع أن تكون تبعات هذا التحول واسعة النطاق.
وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي المستقبلي بن برنانكي، كان قد اقترح في عام 2005 فرضية تخمة المدخرات العالمية، وذلك لتفسير استمرار انخفاض أسعار الفائدة طويلة الأجل، معللاً ذلك بأن الدول التي لديها فوائض مالية كبيرة، مثل الصين ومصدري النفط الخليجيين، كانت تعيد استثمار أرباحها الضخمة في الدين الحكومي الأميركي.
وبعد مرور عقدين من الزمن، وبالرغم من احتفاظ الدولار بمركزه كعملة احتياطية عالمية، تتجه الديناميكيات نحو التغير، إذ يتضح ذلك في تراجع احتياطيات الصين من ذروتها التي وصلت من 4 تريليونات دولار في عام 2014، إلى 3.3 تريليون دولار حالياً.
وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من تسجيل دول الخليج لفوائض تجارية قاربت 800 مليار دولار منذ عام 2017، إلا أن احتياطياتها النقدية ظلت ثابتة دون زيادة.
في سياق متصل، تؤكد دوافع عالمية ومحلية، على أن التحول بعيداً عن حيازة الأصول الدولارية سيستمر، إذ يعزى تلخيص أزمة الثقة في الأصول الأميركية، بارتفاع الدين الحكومي، ممارسة واشنطن للحماية التجارية بفرض تعريفات على الجميع، المخاطر السياسية التي تسبب إغلاقات حكومية، بالإضافة إلى التهديدات الرئاسية لاستقلال البنك المركزي التي تزيد من مخاوف التضخم، حيث ساهمت بأن يصبح الدولار سيفاً يُشهر بعدما كان يُنظر إليه كدرع، خاصة بعد استخدام واشنطن له كأداة نفوذ عبر تجميد أصول روسيا بقيمة 300 مليار دولار في 2022، وهو ما يعد جرس إنذار حاسماً للصين وحاملي الاحتياطيات الخليجية.
بالإضافة إلى تباعد المصالح الصينية والأمريكية الذي يثير مخاوف بكين على استثماراتها، وتآكل ميثاق "الطاقة مقابل الأمن" في الشرق الأوسط. محليًا، تعمل هذه القوى على تضخيم تحولات قطرية قائمة، فبعد أن كان ربط الدولار الصارم يتطلب من الصين شراء سندات الخزانة بكميات كبيرة، قد تحولت بكين نحو "التعويم غير النظيف" منذ منتصف 2010، مما ساهم في التقليل من تدخلها وحاجتها لتكديس الأصول الدولارية السائلة.
على مقلب آخر، إن تضاؤل حاجة الصين للدولار في التجارة العالمية، بفضل استخدام العملات المحلية، قد عززته زيادة حصة اليوان في فواتير التجارة الصينية من 2 بالمئة عام 2010، إلى 25 بالمئة عام 2023.
لكن التحدي الأكبر يكمن في انكماش الفوائض المتاحة لإعادة التدوير في الأسواق العالمية، حيث انخفض ميزان الحساب الجاري الصيني إلى 2.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 بعد أن كان حوالي 10 بالمئة في 2007.
وقد رافق هذا الانخفاض تحول مالي حاد في دول نفطية معينة، مثل السعودية، التي انتقلت من وضع المقرض إلى وضع المقترض.