Contact Us
Ektisadi.com
تكنولوجيا

انقطاعات 2025 تكشف هشاشة العمود الفقري للإنترنت

freepik__the-style-is-candid-image-photography-with-natural__162

لم يعد العالم يعرف شيئاً اسمه “عدم الاتصال بالإنترنت”، فشبكة الويب أصبحت اليوم أساس النظام المالي والاستهلاكي العالمي، وتمكّن من التواصل الفوري وإتمام المعاملات في لحظات. لكن رغم هذا الدور المحوري في حياة البشر، تبقى الشبكة هشّة للغاية، ما يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات وفوضى ضخمة عند توقف أي جزء منها، وفق ما ذكرته بلومبيرغ اليوم الثلاثاء.

خلال عام 2025، أصبحت الانقطاعات الكبيرة ظاهرة متكررة؛ إذ أدت الأعطال التقنية لدى مزوّدي البنية التحتية الأساسية للإنترنت إلى تعطيل خدمات عن ملايين المستخدمين.

أحد أكبر هذه الأعطال كان انقطاعاً لمدة 15 ساعة في مراكز بيانات Amazon في تشرين الأول/ أكتوبر، ما منع الأطفال في المملكة المتحدة من الدخول إلى منصة Roblox، وعطّل مكالمات Zoom للموظفين، وأجبر مهندسين في الهند على إلغاء خططهم لعيد الديوالي. وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، أدى خلل في شركة Cloudflare للأمن السيبراني إلى تعطيل مواقع واسعة بينها ChatGPT وهيئة النقل في نيوجيرسي ومنصة X.

لماذا يؤدي خلل عند مزوّد واحد إلى تعطّل واسع؟

السبب يكمن في طريقة تطوّر الإنترنت منذ نشأته، إضافة إلى اختصارات الكلفة والكفاءة التي تعتمدها الشركات التي يعتمد عليها ملايين المستخدمين.

كيف يصل المستخدمون إلى الإنترنت؟

عندما يكتب مستخدم في المملكة المتحدة عنوان google.com، تبدأ سلسلة معقدة وسريعة جداً من العمليات. فجميع الأجهزة الهواتف وأجهزة الكمبيوتر والخوادم تملك عناوين IP وتستخدم نظام DNS لتحديد المواقع والتواصل. أما المواقع والتطبيقات فتتألف من "حزم بيانات" تشمل النصوص والصور والوظائف.

يرسل جهاز المستخدم طلباً للحصول على تلك الحزم عبر WiFi أو البيانات الخلوية أو الكابل. ثم يمر الطلب عبر أجهزة توجيه ومبدلات وكابلات ومراكز بيانات إقليمية، وربما عبر كابلات بحرية، إلى أن يصل إلى خادم Google الصحيح. فيعالج الخادم الطلب ويعيد الحزم عبر الشبكات نفسها.

أي عطل في أي نقطة في هذه السلسلة يؤدي إلى انقطاع. ومع توسع الحوسبة السحابية، أصبحت هذه الأعطال أكبر وأوسع نطاقاً.

لماذا أصبحت الانقطاعات أكثر تأثيراً الآن؟

في التسعينيات وبداية الألفية، كانت الشركات تعتمد على خوادم داخل مكاتبها "On-Premises". وحتى على مستوى المستخدم العادي، كانت الملفات والصور والموسيقى مخزنة محلياً. كان العطل يصيب مستخدماً واحداً فقط.

لكن Amazon لاحظت أن مهندسيها يعيدون حل المشاكل نفسها باستمرار، فأنشأت بنية تحتية مشتركة أصبحت لاحقاً Amazon Web Services (AWS). ثم لحقت بها Microsoft وGoogle لتصبح الشركات الثلاث المهيمنة على الحوسبة السحابية عالمياً.

اليوم، تعتمد الشركات والمستخدمون بشكل شبه كامل على هذه السحابة، التي تعتمد على ملايين الخوادم المنظمة ضمن “مناطق” تخدم بلداناً محددة. بعض المناطق تتعامل مع حركة مرور أكبر، ما يجعل تأثير تعطلها أكبر.

وكان انقطاع AWS في تشرين الأول/أكتوبر ناتجاً عن خلل برمجي في خدمة رئيسية، ما أدى إلى سلسلة أعطال شلّت العديد من الخدمات.

ومع أن الإنترنت يقوم على تبادل البيانات، إلا أنه يعتمد على الكثير من البنية التحتية المادية: خوادم، كابلات، تبريد ويمكن أن تتسبب الأخطاء البرمجية أو ارتفاع الحرارة أو تلف أحد الكابلات في حدوث انقطاعات واسعة.

لماذا تهيمن AWS وAzure وGoogle Cloud؟

في المملكة المتحدة مثلاً، تستحوذ AWS وAzure على أكثر من 70% من السوق. ويعود ذلك إلى أسبقية دخول السوق، وقوة Microsoft تاريخياً، والقدرة المالية الضخمة لهذه الشركات.

لكن الاعتماد على عدد قليل من مقدّمي الخدمات يعني أن خللاً واحداً قد يعطّل أجزاء ضخمة من الإنترنت.

كما يتعرض "عمالقة السحابة" لانتقادات بسبب ممارسات تضعف المنافسة وتجعل انتقال الشركات بين مقدّمي الخدمات مكلفاً، لأن كل بنية تحتية تختلف عن الأخرى. ويُضطر المهندسون للتخصص في مزود واحد، ما يزيد صعوبة التنويع.

ماذا قد يحدث عندما تفشل هذه الشركات؟

رغم أن السحابة موثوقة عادةً، إلا أن الترابط الهائل بين الخدمات يجعل الأعطال كارثية.

مثال على ذلك: شركة CrowdStrike، وهي ليست عملاقاً تقنياً، ولكنها رائدة في الأمن السيبراني. وهي تعمل على ملايين أجهزة Windows، بما فيها الأنظمة الحيوية. عندما دفعت تحديثاً برمجياً خاطئاً في تموز/يوليو 2024، تسبب في ظهور "شاشة الموت الزرقاء" لملايين الأجهزة حول العالم. لم تكن المشكلة في السحابة مباشرة، ولكن التحديث السحابي المتزامن عطّل الأجهزة كلها في لحظة واحدة.

كيف تحمي الشركات نفسها؟

أفضل ما يمكن أن تفعله الشركات هو التخطيط المسبق، بما في ذلك:

  • شراء خدمات احتياطية إذا تعطلت المنطقة الأساسية

  • تطوير بنية هجينة تشمل خوادم داخلية حرجة

  • وضع خطط استمرارية الأعمال قبل حدوث الانقطاع

أما بالنسبة للمستخدم العادي، فلا يوجد حل عملي أثناء انقطاع واسع النطاق سوى الانتظار حتى تُصلح شركة السحابة المشكلة، والابتعاد قليلاً عن الشاشة والتفكير في البنية المعقدة التي تسمح لهذا النظام بأن يعمل في معظم الوقت بسلاسة مذهلة.