Contact Us
Ektisadi.com
صحة وغذاء

بعد 23 عاماً… إدارة الغذاء والدواء الأميركية تبيح علاجات هرمونية رغم الجدل العلمي

freepik__the-style-is-candid-image-photography-with-natural__82469

أصبح حضور نصائح العلاج الهرموني على منصّات التواصل أمراً شائعاً بين النساء في سنّ معينة، إذ تَعِد المؤثِّرات في مجال صحة المرأة بأن العلاجات الهرمونية قادرة على منح مجموعة واسعة من الفوائد: من تخفيف الهبّات الساخنة والتعرّق الليلي، إلى تحسين صحة الدماغ والقلب، وزيادة الكتلة العضلية وقوة العظام، ورفع مستوى الطاقة، وحتى تعزيز الحياة الجنسية. وبالنسبة لامرأة منهكة في منتصف العمر، تجمع بين مسؤوليات رعاية الأطفال وكبار السن والعمل والشراكة العائلية، تبدو هذه الوعود مغرية للغاية.

ومع ذلك، ووفق ما أشارت إليه وكالة بلومبيرغ خلال تقريرها، فإن مؤثّرات صحة المرأة وروّاد المنتديات المتخصصة في سنّ اليأس، وصولاً إلى مفوّض إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، يؤكدون أن الأطباء كانوا لسنوات طويلة يمارسون نوعاً من “حجب العلاج” عن النساء، مما حرم ملايين منهنّ من علاج قد يساعدهنّ على الشعور بصحة أفضل والعيش لمدد أطول. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الأدلة العلمية التي يستند إليها هذا الحماس ليست دائماً بالصلابة ذاتها، فالعلاج الهرموني مفيد للعديد من النساء، لكنه ليس العلاج السحري الشامل الذي يروّج له البعض.

يُعتبر مفوّض إدارة الغذاء والدواء مارتي مكاري من أبرز الداعمين لتوسيع إتاحة العلاج الهرموني للنساء في مرحلة ما قبل وبعد انقطاع الطمث. وقد وجّه الأسبوع الماضي بإزالة التحذيرات السوداء (black box warnings) عن عدة أنواع من العلاجات الهرمونية، ما قد يسهل وصول النساء إليها. وقد تراجعت الثقة بهذه العلاجات بشكل كبير عام 2002، عندما أوقفت دراسة “مبادرة صحة المرأة” بعد اكتشاف زيادة في مخاطر أمراض القلب والسكتات وسرطان الثدي. ومع مرور الوقت، تبيّن أن هذه المخاوف مبالغ بها بل وخاطئة في بعض الجوانب: فالعلاج الهرموني لا يزيد خطر الإصابة بالنوبات القلبية، واستخدامه لفترات قصيرة لا يرفع احتمال الإصابة بسرطان الثدي، خاصة مع ظهور منتجات جديدة أكثر أماناً.

لكن رغم ذلك، أمضى كثير من الأطباء عقوداً مترددين أو رافضين وصف العلاج الهرموني لتخفيف أعراض النساء. ووصف مكاري هذا التراجع بأنه “واحد من أكبر الأخطاء في الطب الحديث”، مؤكداً أن إزالة التحذيرات السوداء خطوة تهدف إلى “إنهاء ماكينة التخويف”.

ورغم الحاجة إلى تصحيح تلك الأخطاء السابقة، إلا أن مكاري من دون تقديم توازن أو دقة كافية قد يفتح الباب لمرحلة جديدة لا تقلّ إشكالاً، مرحلة تنتقل فيها المقاربة من الحرص المبالغ به إلى الإفراط في الوصفات العلاجية دون مراعاة الفروق الفردية أو قوة الأدلة العلمية.

ومن بين الإيجابيات في قرار الأسبوع الماضي، إزالة التحذير الأسود عن الاستروجين الموضعي منخفض الجرعة، إذ يؤكد الأطباء منذ سنوات أن هذا التحذير خلط بين مخاطر العلاج الجهازي (systemic) وبين المستحضرات الموضعية الآمنة. ومع ذلك، لا يتفق جميع الأطباء على إزالة التحذير عن العلاجات الهرمونية الجهازية التي قد تحمل مخاطر طويلة الأمد لبعض النساء.

خلال المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه مكاري عن التغييرات الجديدة في الملصقات، بالغ هو وعدد من أطباء سنّ اليأس ممن يمتلكون تأثيراً واسعاً على وسائل التواصل وممارسات خاصة مربحة في وصف فوائد العلاج الهرموني، مع التقليل من مخاطره المحتملة. فبينما تُظهر الأبحاث أن العلاج الهرموني يساعد في تخفيف الهبّات الساخنة والتعرّق الليلي وجفاف المهبل، ويقي من خسارة العظام ويقلّل احتمال الإصابة بالسكري، ادّعى مكاري أنه يوفر “فوائد صحية عميقة وطويلة الأمد لا يعرفها معظم الناس”، مضيفاً أنه قد يخفّض خطر الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى 50%، ومرض ألزهايمر بنسبة 35%، بل ويساهم في إطالة عمر مريضات سرطان الثدي.

هذه التصريحات أثارت دهشة الباحثين في مجال سنّ اليأس، إذ رأت الطبيبة مونيكا كريسماس أن هذه الطروحات تجعل “سنّ اليأس والعلاج الهرموني وكأنهما مترادفان”، وتقدّم العلاج “كأنه الترياق السحري ضد الشيخوخة، وهو ليس كذلك إطلاقاً”.

هذا التضخيم دفع الباحثة بولين ماكي إلى نشر فيديو نادر على إنستغرام تشرح فيه نتائج دراسة أجرتها تقارن وظائف الدماغ والذاكرة لدى نساء يتلقين العلاج الهرموني وأخريات يتلقين دواءً وهمياً. وكانت النتيجة: لا فرق على الإطلاق، مؤكدة أن ثلاث دراسات أكبر توصلت إلى النتيجة نفسها. وأضافت أن العلاج قد يحسّن الإدراك فقط لدى النساء اللواتي يعانين من أعراض شديدة جداً، مثل الهبّات الساخنة الليلية وفقدان النوم، موضحة: “ليس عليك دراسة سنوات لتعرفي أن قلّة النوم تؤثر على الإدراك”.

وفي المحصلة، فإن فتح نقاش أكثر انفتاحاً حول سنّ اليأس وتوفير علاجات فعّالة للنساء اللواتي يحتجن إليها خطوة مرحّب بها، لكن من الضروري في المقابل تقديم معلومات دقيقة قائمة على الأدلة حتى تتمكّن النساء من اتخاذ قرارات صحية واعية. وكل ما هو دون ذلك ليس تقدماً، بل شكل جديد من الوصاية الطبية.