الاتحاد الأوروبي يواجه أكبر تراجع رقمي منذ 2018

يستعدّ الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل لإطلاق إجراءات قد تقود إلى تعديل أو تعليق أجزاء من قواعده التاريخية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وحماية البيانات الشخصية، وسط ضغوط متصاعدة من صناعة التكنولوجيا على جانبي المحيط الأطلسي، وفقًا لما أوردته وكالة فرانس برس.
وتأتي هذه الخطوة في إطار محاولات لتقليص البيروقراطية المعقّدة، في وقت تواجه الشركات الأوروبية تحديات كبيرة أمام منافسيها الأميركيين والصينيين. وقد أثار هذا التوجه انتقادات حادة موجّهة إلى بروكسل تتهمها بتفضيل التنافسية الاقتصادية على حساب حماية خصوصية المواطنين وبياناتهم.
وتنفي المفوضية الأوروبية أن تكون ضغوط الإدارة الأميركية، التي سبق أن انتقدت القواعد الرقمية الأوروبية وأثارت غضب الشركات الأميركية الكبرى والرئيس دونالد ترامب، هي التي دفعتها إلى "تبسيط" القوانين. وتؤكد أن الهدف هو تلبية احتياجات الشركات الأوروبية وتسهيل وصولها إلى بيانات المستخدمين لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعتبره المنتقدون تهديدًا مباشرًا للخصوصية.
ورغم المخاوف، قد يرحّب الأوروبيون بتغيير واحد تخطط له بروكسل، يتعلق بإلغاء لافتات "ملفات تعريف الارتباط" المزعجة التي تطلب من المستخدمين قبول تتبّع نشاطهم على مواقع الويب والتطبيقات.
وبحسب مسودات اطلعت عليها AFP، والتي قد تتغير قبل إعلان 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن المفوضية الأوروبية ستقترح تعليق تطبيق أجزاء من قانون الذكاء الاصطناعي لمدة عام، إلى جانب مراجعة شاملة لقواعد حماية البيانات الأساسية، وهو ما يعتبره المدافعون عن الخصوصية خطوة تتيح لشركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى "الوصول بسهولة أكبر إلى البيانات الشخصية للأوروبيين".
ويُعدّ النظام العام لحماية البيانات حجر زاوية في حماية خصوصية المستخدمين منذ اعتماده عام 2018، وقد شكّل مرجعًا عالميًا للمعايير المتعلقة بالبيانات.
وبينما تصف المفوضية التغييرات بأنها "تقنية" تهدف إلى تبسيط القواعد، يرى نواب أوروبيون ونشطاء حقوقيون أنها تمثل تراجعًا كبيرًا في الحقوق الرقمية. فقد حذّرت 127 منظمة، بينها نقابات ومؤسسات مجتمع مدني، من أن هذه المقترحات ستكون "أكبر تراجع للحقوق الرقمية الأساسية في تاريخ الاتحاد الأوروبي".
كما أكد الناشط المتخصص في الخصوصية الرقمية ماكس شريمز أن هذه التعديلات "ستمثل تراجعًا هائلًا في خصوصية الأوروبيين" إذا تم اعتمادها.
ووفقًا لـ AFP، من المتوقع أيضًا أن تقترح بروكسل تأجيل تطبيق العديد من أحكام الذكاء الاصطناعي عالية المخاطر لمدة عام إضافي، بحيث تصبح نافذة في عام 2027 بدلًا من 2026. وتشمل هذه الأحكام النماذج التي قد تشكل خطرًا على السلامة أو الحقوق الأساسية.
وتأتي هذه الخطوة بعد ضغوط شديدة من الشركات الأوروبية وشركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة. ففي يوليو الماضي، دعت عشرات الشركات الكبرى، منها Airbus Group وLufthansa وMercedes-Benz Group، إلى تعليق مؤقت لقانون الذكاء الاصطناعي، معتبرة أنه قد يعرقل الابتكار.
وتواجه رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لايين معركة سياسية معقّدة، إذ تتطلب التعديلات موافقة كل من البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء. وأبدت كتل سياسية أوروبية، من الاشتراكيين إلى الوسطيين، اعتراضات قوية على أي خطوة قد تُضعف قواعد الخصوصية أو تؤجّل تطبيق قانون الذكاء الاصطناعي.
كما نشرت مجموعة "نويب" التي أسسها شريمز، انتقادات حادة للخطط الأوروبية بشأن تعديل GDPR، معتبرة أنها ستقلل الحماية الممنوحة لملايين المستخدمين.
وفي المقابل، يرفض الاتحاد الأوروبي اتهامات التراجع عن معايير الخصوصية، مؤكدًا أن الهدف هو "التبسيط لا الإلغاء". وقال توماس رينييه، المتحدث باسم شؤون الاتحاد الرقمية، إن "المعايير العالية لحماية الخصوصية ستظل محفوظة بالكامل".
وتندرج هذه المقترحات ضمن ما يسمى "حِزم التبسيط" الهادفة إلى تخفيف الأعباء الإدارية التي تعيق عمل الشركات. كما ترفض بروكسل الادعاءات بأنها خضعت لضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رغم الانتقادات التي وجهتها إدارته منذ الأيام الأولى لولايته.
وتزايدت الدعوات داخل أوروبا لإعادة النظر في القواعد الرقمية، من بينها توصيات رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي الذي حذّر عام 2024 من أن القيود المفروضة على البيانات قد تعيق الشركات الأوروبية في مجال الذكاء الاصطناعي.
