12 جامعة في مواجهة ترامب: إمّا التوقيع… أو العقاب

حوّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجامعات الأميركية المرموقة إلى هدف رئيسي في أجندة ولايته الثانية. فمنذ أقل من عام، جمّد مليارات الدولارات من تمويل الأبحاث الفيدرالية، وهدّد أعداد الطلاب الدوليين، وأطلق عشرات التحقيقات في مبادرات التنوع والإنصاف والشمول التي يعتبرها تمييزية.
وإذا كانت هذه الإجراءات تمثّل “العصا”، فإن “الجزرة” ظهرت في اتفاقية التميّز الأكاديمي في التعليم العالي التي أعلنتها الإدارة في 1 تشرين الأول/ أكتوبر. تقترح الاتفاقية منح الجامعات معاملة تفضيلية في التمويل الفيدرالي إذا التزمت بسلسلة من التغييرات السياسية، منها: إنهاء التفضيلات المبنية على العِرق أو الجندر في القبول والتوظيف، تعزيز “تنوع وجهات النظر” المحافظة، تقييد البرامج والمرافق المبنية على النوع الاجتماعي عند الولادة، تحديد سقف للطلاب الدوليين بـ 15%، وتجميد الرسوم الدراسية للطلاب المحليين.
اختارت الإدارة 12 جامعة لتوقيع الاتفاقية لأنها مؤسسات لم تُظهر عداءً صريحًا للبيت الأبيض. فجامعات مثل فاندربيلت ودارتموث تجنبت انتقاد ترامب بعد هجومه على هارفارد، بينما حافظت MIT على صورتها “اللاسياسية”. أما براون وجامعة بنسلفانيا فقد سبق لهما التوصل إلى اتفاقات مع البيت الأبيض لاستعادة تمويلات مجمّدة.
ومع ذلك، فإن استراتيجية “التوازن” هذه تبدو أقل قابلية للاستمرار، إذ وضعت الاتفاقية الجامعات في قلب معركة سياسية عميقة حول مستقبل التعليم العالي، وأمام خيار صعب: غضب الحرم الجامعي أم انتقام واشنطن؟
حتى الآن، لم توقّع أي من الجامعات الـ 12. وقد رفضت عشر منها الاتفاقية علنًا، بحجة أنها تهدّد مبدأ الجدارة في تمويل الأبحاث وتعيق التقدم العلمي. ومع ذلك، قدّمت ثماني جامعات ملاحظات مفصلة وفتحت الباب لتوقيع نسخة معدّلة ستصدر لاحقًا هذا الشهر.
العقوبات على الرفض غير واضحة، إذ تشير الاتفاقية فقط إلى أن الجامعات التي “ترفض” ستتنازل عن “المزايا الفدرالية”. لكن رد فعل الإدارة على الرفض الأولي يوحي بأن العقاب محتمل. فبعد رفض MIT، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض ليز هيوستن بأن أي جامعة ترفض “هذه الفرصة التاريخية لإصلاح التعليم” لا تخدم طلابها بل “تخضع للبيروقراطيين الراديكاليين اليساريين”. وعندما رفضت Penn بعد أسبوع، حذرت هيوستن من أن الجامعات التي تتجاهل إصلاحات ترامب “ستُحرم من الدعم الحكومي والمموّل من دافعي الضرائب.”
أظهر العام الماضي مدى خطورة الضغط الفدرالي حتى على أغنى الجامعات. فعندما جمّد ترامب أموال الأبحاث، اضطرت جامعات مثل كورنيل ونورثويسترن وديوك وحتى هارفارد إلى خفض ميزانياتها وإلغاء برامج دكتوراه وتجميد التوظيف وتسريح موظفين.
الإدارة ترسل رسالة واضحة: إما معنا… أو ضدنا.
وتحوّلت الجامعات إلى نموذج لما يحدث على مستوى الشركات والمحامين ووادي السيليكون: حتى المؤسسات التي تحاول الابتعاد عن السياسة أصبحت مضطرة للاختيار.
سياسة “فرّق تسد”
بعد رفض MIT للاتفاقية، دعا ترامب جميع الجامعات للانضمام، لكن عددًا قليلًا فقط من أصل 3,900 مؤسسة أبدى دعمه. ومن الجامعات المؤيدة:
New College of Florida، الذي حوّله رون دي سانتيس إلى منصة للتجارب المحافظة.
Grand Canyon University، وهي جامعة مسيحية أعفى ترامب غرامتها الفيدرالية البالغة 37 مليون دولار.
Valley Forge Military College.
لكن الإدارة تريد أسماء أكبر بكثير، مثل جامعات فاندربيلت وMIT وبراون وبنسلفانيا، لأنها أكثر تأثيرًا.
مجالس أمناء الجامعات قلقة وتسعى لعقد صفقات للحفاظ على التمويل الفدرالي.
فقد أصبحت كورنيل خامس جامعة تتوصل إلى تسوية، بدفع 60 مليون دولار لاستعادة التمويل. ومع ذلك، تتساءل الجامعات عن حدود التسوية الممكنة.
يقول سكوت بوك، الرئيس السابق لمجلس أمناء Penn الذي أُطيح به بعد أزمة الشهادة في الكونغرس، إن مجالس الجامعات “تعتقد أنها ممتازة في صفقات الأعمال”، لكنها تواجه واقعًا سياسيًا مختلفًا. فقد وافقت Penn سابقًا على الحد من مشاركة المتحوّلين جنسيًا في الرياضة مقابل فتح 175 مليون دولار من المنح. لكن ذلك لم يمنع ظهور الاتفاقية الجديدة.
يقول بوك: “لقد اعتقدوا أن الأزمة انتهت… لكنك قدمت تنازلات غير شعبية، والآن تواجه شيئًا أكبر.”
“سويسرا” التعليم العالي
منذ احتجاجات عام 2020، ضُغط على الجامعات لاتخاذ مواقف بشأن قضايا سياسية واجتماعية عديدة. وبعد عودة ترامب إلى السلطة بخطاب معادٍ للجامعات، حاولت بعض المؤسسات تبني الحياد المؤسسي كدرع ضد التقلبات السياسية.
في شباط/فبراير، أعلنت جامعتا فاندربيلت وواشنطن في سانت لويس بيانًا مشتركًا يؤكد “الحياد المؤسسي”، معتبرة أن الجامعات يجب ألا تتبنى أيديولوجيات سياسية. تبعتها جامعات مثل دارتموث.
لكن بدلًا من حمايتها، جعلها موقفها محطّ أنظار الإدارة، التي تفسّر الحياد كإشارة إيجابية.
لذلك، تحوّلت فاندربيلت إلى ما يشبه “سويسرا” في الحرب بين الأكاديميا والنظام السياسي.
في مقابلة مع فرانسيسكا ماغليون من بلومبيرغ، قال المستشار دانييل ديرماير إن البيت الأبيض لم يمارس ضغطًا مباشرًا، وأنه لم يقرر بعد توقيع الاتفاقية. وأشار إلى أن ردود الجامعات الأخرى كانت متأثرة بتغطية إعلامية مثيرة.
لكن موقف ديرماير أثار غضب رؤساء جامعات أخرى، مثل Princeton. وفي نفس الوقت، أكسبه احترامًا في البيت الأبيض، إذ تتضمن الاتفاقية اقتباسات صريحة من مبادئ فاندربيلت ودارتموث.
تحسّنت أوضاع فاندربيلت هذا العام مقارنة بغيرها، إذ ارتفعت الطلبات وزادت الإيرادات وتوسّعت الجامعة في نيويورك وسان فرانسيسكو وفلوريدا. لكن السؤال: هل يكفي الحياد لحمايتها؟
يرى ديرماير أن الحياد لا يشمل قضايا “جوهرية” مثل القبول والحرية الأكاديمية، وهي نقاط مركزية في الاتفاقية. لكنه تجاهل بنودًا أخرى حساسة، مثل الحد من الطلاب الدوليين أو إلزام الجامعات بتوظيف أساتذة محافظين.
ويعتقد أن الاتفاقية قد تُلغى بالكامل، لكن إذا رفضت الجامعات الدعوة، “فقد يُنظر إليها كعلامة تحدٍّ”.
ويبدو أن جميع الجامعات من فاندربيلت إلى دارتموث ستُجبر قريبًا على الإجابة بشكل مباشر: هل ستنضم لجهود البيت الأبيض لإصلاح التعليم؟ أم ستدفع ثمن الرفض؟
