Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

الاقتصاد الأميركي يتنفس الصعداء... نهاية أطول إغلاق حكومي بعد توقيع ترامب قانون الإنفاق المؤقت

Trump signs funding legislation, 13 nov 2025 (X)

ترامب بعد توقيعه قانون الإنفاق المؤقت منهياً الإغلاق الحكومي، 13 نوفمبر 2025 (إكس)

بعد أسابيع من الشلل الحكومي الذي كبّد الاقتصاد الأميركي خسائر بمليارات الدولارات وأربك حياة ملايين المواطنين، وضع الرئيس دونالد ترامب، يوم الأربعاء، أخيراً حداً لأطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة الحديثة. بتوقيعه قانون الإنفاق المؤقت، أُعيد فتح الدوائر الفيدرالية وبدأت عجلة الدولة بالدوران مجدداً، وإن ببطء شديد، وسط أجواء من التوتر السياسي والانقسام الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول قضايا تمويل الرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية.

وبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن توقيع ترامب على قانون الإنفاق المؤقت يمهّد لعودة العمل تدريجياً في المؤسسات الحكومية بعد إغلاق استمر منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر. ومن المتوقع أن يعود الموظفون الفيدراليون إلى أعمالهم بدءاً من اليوم الخميس، إلا أن إعادة تشغيل الجهاز البيروقراطي بالكامل قد تستغرق أياماً وربما أسابيع، نظراً لتراكم الملفات وتعطل آلاف الإجراءات الإدارية. وأوضح وزير النقل شون دافي أن رفع القيود المفروضة على الرحلات الجوية في المطارات الكبرى قد يستغرق نحو أسبوع كامل.

انعكاسات اقتصادية عميقة

الإغلاق لم يكن مجرد أزمة سياسية؛ بل ترك بصمته الواضحة على الاقتصاد الأميركي. فقد قدّر مكتب الميزانية في الكونغرس أن الإغلاق الذي استمر ستة أسابيع خفّض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الحالي بمقدار 1.5 نقطة مئوية. ورغم أن جزءاً من هذا التراجع سيُعوَّض مطلع العام المقبل مع صرف رواتب الموظفين واستئناف البرامج الفيدرالية، إلا أن الضرر النفسي والاقتصادي على المستهلكين والشركات قد يستمر لفترة أطول.

أسواق المال أيضاً لم تسلم من التداعيات، إذ تراجع مستوى الشفافية بسبب توقف نشر البيانات الاقتصادية الرئيسية مثل تقارير الوظائف ومؤشر أسعار المستهلكين. هذا الغموض جعل المستثمرين يعملون في بيئة ضبابية تفتقر إلى مؤشرات دقيقة حول اتجاه الاقتصاد الأميركي.

تأثيرات مباشرة على المواطنين والشركات

وقد تسبّب الإغلاق في أزمات إنسانية واقتصادية ملموسة، حيث حُرم أكثر من 42 مليون أميركي من ذوي الدخل المنخفض من إعانات الغذاء خلال نوفمبر، نتيجة الخلافات القانونية بين الإدارة الفيدرالية والولايات حول مشروعية استمرار برامج المساعدات أثناء الإغلاق. ورغم إعادة فتح الحكومة، فإن صرف المساعدات لن يكون فورياً، إذ تحتاج الولايات عدة أيام لتحديث قواعد البيانات وشحن بطاقات المستفيدين.

كما أشار المدير التنفيذي لشركة دلتا إيرلاينز، إد باستيان، إلى أن إلغاء العديد من الرحلات خلال فترة الإغلاق سيؤثر سلباً على أرباح الشركة في هذا الربع المالي، مؤكداً أن العودة إلى التشغيل الكامل لن تتحقق إلا قبيل عطلة عيد الشكر.

التداعيات السياسية

سياسياً، اعتبر الرئيس ترامب انتهاء الإغلاق انتصاراً له، مؤكداً أنه لم “يخضع للابتزاز”، على حدّ تعبيره. لكن مراقبين يرون أن النتيجة جاءت على غرار الأزمات السابقة، حيث اضطر الطرف الذي حاول استخدام الإغلاق كورقة ضغط للتراجع تحت وطأة الرأي العام.
ورغم أن الجمهوريين تمكنوا من تمرير قانون الإنفاق المؤقت، فإن الخلاف حول تجديد دعم التأمين الصحي بموجب “أوباماكير” ما زال قائماً. سبعة من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ونائب مستقل واحد انضموا للجمهوريين لدعم القانون الجديد مقابل وعدٍ بعقد تصويت مستقبلي حول تمديد الإعانات الصحية بحلول منتصف كانون الأول/ديسمبر، وهو وعد لا توجد ضمانات لتنفيذه.

وبدا الانقسام الداخلي في صفوف الديمقراطيين واضحاً، إذ اعتبرت الجماعات التقدمية مثل MoveOn أن الوسط المعتدل في الحزب تخلّى عن المبادئ الأساسية في معركة الرعاية الصحية. وطالب بعضهم باستقالة زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، الذي أبدى معارضته للاتفاق لكنّه فشل في توحيد صفوف حزبه.

نحو جولة جديدة من الصراع

ورغم أن اتفاق الإنفاق الحالي سيموّل معظم أجهزة الحكومة حتى 30 كانون الثاني/يناير، فإن التهديد بعودة الإغلاق يلوح في الأفق مجدداً ما لم يتوصل الكونغرس إلى اتفاق طويل الأمد. والبرامج الحيوية مثل دعم الأغذية ومشاريع البناء العسكري وإدارة شؤون المحاربين القدامى مؤمّنة حتى نهاية أيلول/سبتمبر، لكن باقي المؤسسات تواجه خطر التوقف مجدداً مطلع العام المقبل.

بالإجمال، يمكن القول إن نهاية الإغلاق الحالي ليست سوى هدنة مؤقتة في صراع طويل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول هوية الدولة الأميركية ودور الحكومة في الاقتصاد والرعاية الاجتماعية. وبينما يسعى ترامب لتعزيز صورته كزعيم “حازم” في مواجهة الكونغرس، فإن الديمقراطيين يستعدّون لتحويل ملف الرعاية الصحية إلى محور رئيسي في معركة انتخابات منتصف 2026. ووسط هذا التجاذب، يبقى المواطن الأمريكي العادي هو الخاسر الأكبر، بين تأخر الرواتب، وتعطل الخدمات، واهتزاز الثقة في مؤسسات الدولة.

الاقتصاد الأميركي يتنفس الصعداء... نهاية أطول إغلاق حكومي... | Ektisadi.com | Ektisadi.com