Contact Us
Ektisadi.com
إعلام وفنون

بلوربس: نهاية العالم كما لم نعرفها من قبل

freepik__surreal-and-dreamlike-a-cinematic-image-showing-a-__18934

في عالم يضج بصور الخراب ونهايات البشرية، يقدّم مسلسل "Pluribus" من إنتاج Apple TV رؤية مغايرة لنهاية العالم رؤية هادئة، مشرقة، وساحرة على نحوٍ مقلق. المسلسل من ابتكار فينس غيليغان، صاحب سلسلة Breaking Bad، ويُعرض أسبوعياً حتى 26 كانون الأول/ ديسمبر، بحسب بلومبيرغ.

تبدأ القصة حين يكتشف علماء إشارة متكررة وغامضة قادمة من الفضاء الخارجي، تدفع فريقاً من الباحثين العاملين لدى الجيش الأميركي إلى ترميز فيروس ذهني غريب يُطلَق عن غير قصد. هذا الفيروس، بعد أن يسبّب نوبات صرع جماعية قصيرة، يوحّد وعي البشر جميعاً في حالة من الانسجام النفسي الكامل، حيث يصبح الجميع جزءاً من كيان واحد يعرف نفسه بـ “نحن”.

الغريب أن هؤلاء الـ“نحن” لطفاء للغاية. إنهم يشاركون الموارد، يعيشون في مساواة حقيقية، وينعمون برضا تام. لكن البطلة كارول ستوركا (تجسّدها ريا سيهورن) كاتبة روايات رومانسية سريعة الغضب تقيم في ألبوكيركي، نيو مكسيكو تجد نفسها محاطة بأشخاص سعداء إلى حدّ الجنون، بينما هي الوحيدة التي بقيت على طبيعتها، غير “منضمة”. بالنسبة إليها، هذا العالم الجديد هو الكابوس بعينه.

عادةً ما تصوّر الأعمال التي تتناول ما بعد نهاية العالم مشاهد الفوضى والموت: Fallout مثلاً يعرض لوس أنجلوس كأرض قاحلة مملوءة بالوحوش الطافرة والبشر القساة، وMad Max منذ 1979 قدّم لنا عالماً بلا ماء ولا نظام، يحكمه العنف. أما 28 Years Later فكان مملوءاً بالزومبيز الذين يمزقون أجساد ضحاياهم. حتى الأعمال الخالية من الوحوش مثل Station Eleven وThe Leftovers قدّمت مستقبلاً قاتماً يلفّه الحزن واليأس.

لكن "Pluribus" يختلف تماماً. فبينما ينتظر المشاهد دماراً نووياً أو وباءً قاتلاً، يجد أمامه نهايةً مثالية للعالم، نهاية تُبشّر بالسلام والسكينة، وتجعلنا نتساءل: هل الخضوع لمجتمعٍ بلا غضب أو حقد، مجتمع منسجم تماماً، هو في الحقيقة جحيم أم جنة؟

يحمل المسلسل حسًّا فكاهياً ذكياً وسيناريو محكماً جعله ينال تقييماً كاملاً (100%) على موقع Rotten Tomatoes. ويجبر المشاهد على التفكير بجدية فيما إذا كان فقدان فردانيته ثمناً مقبولاً لنيل السعادة المطلقة.

تعيش كارول في عزلة تامة، محاطة بعالم من المحبين والمتسامحين، لكنها غارقة في الحزن والوحدة. تشعر أن غضبها هو آخر ما تبقّى من إنسانيتها، فتتساءل: هل يجب أن نحارب من أجل حقنا في الشعور بالغضب؟

يقول المنتج التنفيذي غوردون سميث: “إذا كانت هذه رؤية للسعادة المطلقة، الهادئة والآمنة، لكنها تعني فقدان ما يميزك كإنسان، فهل تستحق؟ هذا هو التوتر الأساسي الذي نحاول استكشافه ولا نعرف الإجابة بعد.”

بخلاف القصص الكلاسيكية عن “غزاة الأجساد” مثل Invasion of the Body Snatchers أو They Live أو The Stepford Wives، لا يقدّم "Pluribus" أعداءً واضحين. فهؤلاء “المنضمون” لا يسعون للسيطرة أو القتل، بل ينشرون الرحمة: يحررون الحيوانات من الأقفاص، يمنحون الرعاية الصحية للجميع، يرفضون إيذاء أي كائن حيّ حتى الذباب.

لكن كارول، التي تعتبر نفسها آخر من تبقّى من “العالم القديم”، تتحوّل إلى تهديد عالمي. ففي لحظة التحوّل الكبرى، مات مئات الملايين بسبب النوبات التي أحدثها الفيروس، ومن بينهم شريكتها هيلين (تؤديها مريام شور). وعندما يسيطر عليها الغضب أو الألم، تبدأ موجات جديدة من النوبات، لتسقط ضحايا إضافية. كل نوبة غضب منها قد تعني موت الملايين. وهنا تبرز المعضلة الكبرى: إذا كان الانفعال العاطفي يعني سفك الدماء، فهل الأفضل أن تستسلم وتفقد ذاتك؟

يرى سميث أن المسلسل أشبه باختبار رورشاخ مرآة لكل مشاهد يرى فيها ما يعكس مخاوفه الخاصة. البعض يربطه بالذكاء الاصطناعي، إذ يشبّه “المنضمين” بـChatGPT حيّ على الأرض، يمتلك معرفة جماعية شاملة، لكن دون أخطائه أو بروده. المزعج فيهم أنهم ما زالوا يشبهون البشر الذين كانوا قبل الاندماج نفس الملامح، لكن بلا ألم.

يقول سميث: “لا نريد أن نبدو وعظيين أو تعليميين. نريد أن نحافظ على منظور إنساني، لا على رسالة سياسية مباشرة.”

ومع ذلك، يصعب مشاهدة “Pluribus” دون التفكير في زمننا المعاصر: عالم يطغى عليه الانقسام، والتوتر، والاستقطاب، حيث الغضب أصبح لغة التواصل العالمية. تمثل كارول هذا الغضب، وفي الوقت نفسه تمثل إنسانيتنا الهشة. علينا أن نتعاطف معها، لأن الاستسلام يعني نهاية الدراما وربما نهاية ما يجعلنا بشراً أصلاً.

في نهاية المطاف، يقدّم "Pluribus" تأملاً عميقاً في معنى الحرية والمشاعر الإنسانية. إنه عمل يجمع بين الخيال العلمي والفلسفة الوجودية، ويسألنا بصراحة: إذا كانت نهاية العالم تعني نهاية الألم، فهل هذا فعلاً ما نريد؟

بلوربس: نهاية العالم كما لم نعرفها من قبل | Ektisadi.com | Ektisadi.com