قفزة في الطلب و85% دون الذروة... الليثيوم يستعيد بريقه من بوابة الطاقة النظيفة
يشهد سوق الليثيوم تحولًا استراتيجيًا لافتًا، إذ انتقل الاهتمام من مخاوف نقص المعروض إلى التفاؤل المتزايد بشأن الطلب القوي على أنظمة تخزين الطاقة، في وقت تتصاعد فيه التوقعات بأن هذا القطاع سيكون المحرك الأكبر لنمو سوق البطاريات خلال السنوات المقبلة.
فقد واصلت العقود الآجلة لليثيوم كربونات المكوّن الأساسي في بطاريات السيارات الكهربائية ارتفاعها في بورصة غوانغجو صباح الثلاثاء، بعدما قفزت بنسبة 5٪ في الجلسة السابقة. ورغم أن الأسعار الفورية لا تزال أقل بأكثر من 85٪ عن ذروتها المسجلة عام 2022، فإنها وصلت إلى مستويات لم تُسجّل منذ أغسطس الماضي، ما يعكس عودة الثقة تدريجيًا إلى السوق.
ووفقًا لتقرير "سيتي غروب" (Citigroup) الصادر في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، فإن الزخم الحالي في السوق لا يعود إلى اضطرابات الإمدادات كما كان سابقًا، بل إلى نمو حقيقي في الطلب على البطاريات، مدفوعًا بتوسع مشاريع تخزين الطاقة على نطاق واسع. وأوضح التقرير أن المؤشرات الحالية تمنح مزيدًا من القناعة بأن الطلب على البطاريات سيشهد قفزة نوعية في العامين المقبلين، خصوصًا في قطاعات الطاقة النظيفة والنقل الكهربائي وفقاً لبلومبيرغ.
على مدى الأشهر الأخيرة، واجه سوق الليثيوم تقلبات كبيرة بسبب تعليق العمل في أحد المناجم التابعة لشركة "كونتمبوراري أمبريكس تكنولوجي" (CATL) أكبر منتج لبطاريات السيارات الكهربائية في العالم نتيجة خلافات تتعلق برسوم حقوق التعدين في مشروع "جيانشياوو". غير أن التركيز في الأسواق بدأ يتحول الآن نحو تحليل آفاق الطلب بدلاً من القلق على المعروض.
وبحسب المحللة سو جينيي من شركة Sublime China Information، فإن منتجي الكاثودات من فئة ليثيوم فوسفات الحديد (LFP) يعملون حاليًا بطاقاتهم القصوى لتلبية الطلب المتزايد على أنظمة تخزين الطاقة (ESS)، مشيرة إلى أن الأداء القوي لهذه الأنظمة يمكن أن يدعم الطلب على كربونات الليثيوم مستقبلاً، "لكن تبقى استدامة هذا النمو قيد المراقبة".
ويأتي هذا التفاؤل مدفوعًا بعوامل متداخلة تشمل الحوافز الحكومية، وتحسّن الجدوى الاقتصادية لتخزين الطاقة، إلى جانب خطط توسع كبرى الشركات العالمية. ووفق تقديرات سيتي غروب، من المتوقع أن تشكل أنظمة تخزين الطاقة نحو ثلث الطلب العالمي على البطاريات بحلول عام 2030، مقارنةً بحوالي 20٪ فقط في عام 2024، مما يعكس تحوّلًا هيكليًا في بنية السوق العالمية للطاقة بحسب بلومبيرغ.
وأضاف محللو البنك في تقريرهم أن الاستثمارات في أنظمة تخزين الطاقة لن تكون استثمارًا خاطئًا، حتى مع محدودية المؤشرات التاريخية لقياس الطلب المستقبلي، معتبرين أن الاتجاه العام يثبت أن القطاع يسير نحو نمو مستدام ومربح.
وتوقعت "سيتي غروب" أن الطلب العالمي على البطاريات سيرتفع بنسبة 31٪ بحلول عام 2026، مدفوعًا بزيادة 45٪ في الطلب على أنظمة تخزين الطاقة و26٪ في قطاع السيارات الكهربائية. كما أكدت أن استئناف العمل في منجم CATL المحتمل لن يكون له تأثير كبير على مسار تصريف المخزونات أو توازن الأسعار في المدى القريب.
ومع ذلك، يرى بعض الخبراء أن وتيرة صعود أسعار الليثيوم الحالية قد تكون مفرطة السرعة مقارنةً بواقع السوق، محذرين من احتمال تصحيح لاحق إذا لم يتحقق النمو الفعلي بالوتيرة المتوقعة بحسب ما نقلته بلومبيرغ.
في المجمل، يبدو أن الطلب على تخزين الطاقة أصبح القوة الجديدة المحركة لسوق الليثيوم، مع تحوّل الشركات والمستثمرين من التركيز على إنتاج السيارات الكهربائية فقط إلى بناء بنية تحتية للطاقة المستدامة يمكنها دعم التحول العالمي نحو الكهرباء النظيفة لعقود قادمة.