نارنيا… حين تحوّل الخيال إلى مملكة من ذهب

لم تكن نارنيا مجرّد سلسلة من الكتب التي كتبها سي. إس. لويس في منتصف القرن العشرين، بل كانت بوابةً فتحها الخيال ليُطلّ منها العالم على كنزٍ أدبي لم تفقد صفحاته بريقها حتى بعد مرور سبعة عقود. فمنذ أن صدرت أولى أجزاء السلسلة عام 1950 بعنوان الأسد والساحرة وخزانة الملابس، تجاوز عدد النسخ المباعة عالميًا مئة مليون نسخة وفق إحصاءات WordsRated، لتصبح ضمن أكثر سلاسل الفانتازيا مبيعًا في التاريخ، ولتترجم إلى أكثر من أربعين لغة، ما جعلها جسرًا بين ثقافاتٍ لم تلتقِ إلا في صفحاتها.
هذا النجاح الأدبي لم يبقَ حبيس الورق، إذ تحوّل عالم نارنيا إلى صناعة متكاملة تداخل فيها الأدب مع السينما والتقنية والتجارة. وعندما أطلقت ديزني فيلمها الأول المقتبس من السلسلة عام 2005 بعنوان الأسد والساحرة وخزانة الملابس، تجاوزت إيراداته 720 مليون دولار عالميًا بحسب بيانات The Numbers، فيما كانت ميزانيته لا تتعدى 180 مليونًا، وهو ما أطلق موجة جديدة من الاهتمام بالسلسلة رفعت مبيعات الكتب بنسبة لافتة كما أوردت صحيفة Evening Standard البريطانية في تقريرها الصادر آنذاك عن تضاعف الطلب على نسخ الرواية الأصلية في المتاجر البريطانية.
ومع صدور الجزء الثاني الأمير قاسبيان عام 2008، ظلّ السحر حاضرًا رغم أن العائدات بلغت 417 مليون دولار عالميًا وفق موقع Box Office Mojo، لتؤكد الأرقام أن الجمهور لا يكتفي بمشاهدة الخيال، بل يبحث عن العودة إلى الجذور، إلى الكلمة الأولى التي نُسج منها العالم ذاته. أما الجزء الثالث رحلة السفينة المأساة الذي عُرض عام 2010 فقد جمع نحو 415 مليون دولار وفق ويكيبيديا، ما برهن أن نارنيا، رغم تقلّبات السوق، ما زالت أرضًا خصبة للاستثمار الإبداعي والوجداني معًا.
لكن القيمة الحقيقية لنارنيا لا تُقاس فقط بما حصدته من أموال أو مبيعات، بل بما خلّفته من أثرٍ على أجيالٍ تربّت على فكرة أن الأبواب الخشبية القديمة قد تخفي وراءها عوالم لا تُحدّ. فوفق دراسة أكاديمية منشورة في جامعة ستيرلنغ البريطانية، ساهمت السلسلة في ترسيخ أدب الفانتازيا كجسرٍ فلسفي بين الإيمان والخيال، بين العقل والأسطورة، وهو ما جعل أعمال لويس تُدرّس اليوم في أكثر من خمسين جامعة حول العالم.
وهكذا، من بين صفائح الخزانة القديمة خرجت نارنيا لا لتُغيّر مجرى الأدب فحسب، بل لتخلق اقتصادًا من الخيال، ومجدًا من الحبر، ودهشةً من كلمةٍ واحدة كتبت في خمسينات القرن الماضي، ولا تزال حتى اليوم تُترجم إلى لغاتٍ جديدة، وتُقرأ كأنها وُلدت بالأمس.
