إيران على حافة الجفاف... تحذيرات من إخلاء طهران وانهيار منظومة المياه في مشهد

تواجه إيران أزمة مائية غير مسبوقة تنذر بعواقب إنسانية واقتصادية خطيرة، مع تراجع مخزون السدود إلى أدنى مستوياته منذ عقود، وتهديدات رسمية بإمكانية إخلاء العاصمة طهران في حال استمرار الجفاف حتى نهاية العام، في حين انخفضت خزانات السدود في مدينة مشهد إلى أقل من 3% من سعتها، وفق ما نقلته وكالة فرانس برس ووسائل إعلام محلية إيرانية.
خطر داهم على طهران: احتمال الإخلاء وتقنين المياه
وفقاً لتقرير نشرته وكالة فرانس برس في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2025، حذر الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان من أنّ العاصمة طهران قد تحتاج إلى إجلاء سكانها إذا لم تهطل الأمطار قبل نهاية السنة. وقال بزشكيان في خطاب بثّه التلفزيون الرسمي:
"إذا لم تمطر، سنضطر إلى البدء بتقنين المياه في طهران بين أواخر تشرين الثاني/نوفمبر وأوائل كانون الأول/ديسمبر. وحتى إذا قمنا بالتقنين ولم تهطل الأمطار بحلول ذلك الوقت، سينفد الماء لدينا وسنضطر إلى إخلاء طهران."
وبحسب وكالة الأنباء الرسمية إرنا، أوضح بهزاد بارسا، المدير العام لشركة مياه طهران، أنّ سد "أمير كبير" الذي يعد أحد السدود الخمسة التي تزوّد العاصمة بمياه الشرب، لا يخزن حالياً سوى 14 مليون متر مكعب من المياه، مقارنة بـ86 مليون متر مكعب قبل عام واحد فقط. وأكد بارسا أن هذا المخزون يكفي لتأمين مياه الشرب لسكان العاصمة لأقل من أسبوعين.
ووفقاً لـوكالة تسنيم، فإنّ مستوى هطول الأمطار في البلاد بلغ 152 ملليمتراً هذا العام، منخفضاً بنسبة 40% عن المعدّل التاريخي خلال 57 عاماً. أما محمد رضا كافيان بور، رئيس معهد أبحاث المياه، فذكر أن عدداً من المحافظات الإيرانية شهد انخفاضاً في الأمطار تراوح بين 50 و80%، محذّراً من “وضع حرج للغاية”.
مشهد تغرق في العطش: السدود دون 3%
وفي شمال شرق البلاد، كشفت وكالة فرانس برس نقلاً عن وسائل إعلام رسمية أنّ خزانات السدود في مدينة مشهد، ثاني أكبر مدن إيران، انخفضت إلى أقل من 3% من سعتها الإجمالية. وقال حسن حسيني، نائب رئيس بلدية مشهد، في حديث لوكالة «إرنا»، إنّ “الانقطاعات الليلية للمياه في المدينة أصبحت من بين الحلول المطروحة لتفادي الانهيار الكامل في منظومة الإمدادات”.
ويعيش أكثر من خمسة ملايين نسمة في مشهد، التي تُعد من أهم المراكز السياحية والدينية في إيران، ما يجعل الأزمة فيها ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية حادة. وتشير التقديرات الحكومية إلى أنّ الطلب اليومي على المياه في المدينة يتجاوز بكثير قدرة السدود شبه الجافة على الإمداد.
ونقلت وكالة فرانس برس في تقرير آخر بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر عن وزير الطاقة عباس علي عبادي قوله إنّ السلطات تعتزم البدء بتقنين المياه في طهران لمواجهة "الهدر" وتقليل الاستهلاك، مؤكداً أنّ الإجراء “سيتيح تجنّب الانهيار حتى وإن كان مزعجاً”.
ووفقاً لوكالة الأنباء الطلابية إسنا، فإن 15 محافظة من أصل 31 في إيران لم تشهد أي هطول للأمطار منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حين أظهرت صور بثها التلفزيون الرسمي انخفاضاً ملحوظاً في منسوب المياه في سدود أصفهان وتبريز ومدن أخرى.
كما أشار محسن أردكاني، المدير العام لشركة مياه طهران، في حديث للتلفزيون الرسمي، إلى أن العاصمة فقدت نصف احتياطها من المياه مقارنة بالسنة الماضية، إذ انخفضت الكمية المخزّنة في سدودها إلى 250 مليون متر مكعب فقط، بعدما كانت 490 مليون متر مكعب في 2023-2024.
تؤكد وكالة فرانس برس أنّ أزمة المياه الراهنة ليست جديدة على إيران، بل تتفاقم منذ أكثر من عقد نتيجة تراجع معدلات هطول الأمطار، والاستهلاك المفرط، وضعف سياسات إدارة الموارد المائية. ويضاف إلى ذلك تأثير التغيّر المناخي الذي أدّى إلى ارتفاع درجات الحرارة وجفاف الأنهار والمسطحات المائية.
وبحسب خبراء بيئيين نقلت عنهم وكالة تسنيم، فإن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى انهيار الزراعة التقليدية في وسط البلاد وشمالها، ويدفع بموجات جديدة من النزوح الداخلي من المناطق القاحلة نحو المدن الكبرى، ما يزيد الضغط على البنى التحتية الضعيفة أصلاً.
بين انخفاض منسوب سدود مشهد إلى أقل من 3% وتحذيرات الرئيس الإيراني من إخلاء طهران، تبدو إيران أمام أزمة وجودية تتجاوز الجفاف إلى تهديد الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي. وفي غياب حلول عاجلة ومستدامة، يبقى شبح العطش الجماعي يخيّم على بلد كان يوماً مهد الحضارات الزراعية.
