Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

الاقتصاد الكندي يترنّح تحت وطأة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب

IMG_0298

كندا

بدأت تداعيات السياسات التجارية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تلقي بظلال ثقيلة على الاقتصاد الكندي، وفق ما أوردت صحيفة وول ستريت جورنال. فبعد سنوات من الاعتماد العميق على السوق الأميركية، تواجه كندا اليوم تباطؤاً اقتصادياً خطيراً، إذ ارتفعت معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها غير الوبائية منذ نحو عقد، بينما تراجع الاستثمار التجاري وتباطأ النمو إلى حدٍّ ينذر بالركود.

وتعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر لكندا، إذ تتجه نحو ثلاثة أرباع الصادرات الكندية إلى الأسواق الأميركية. هذا الارتباط جعل كندا أكثر عرضة لتأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على قطاعات حيوية تشمل السيارات والفولاذ والألمنيوم والأخشاب، بحسب وول ستريت جورنال.

رئيس الوزراء الكندي مارك كارني حذّر من أن الحرب التجارية مع واشنطن ستُخلّف أضراراً دائمة على الاقتصاد الوطني، إذ من المتوقع أن تُقلّص معدلات النمو على المدى الطويل. وتبرز آثار تلك الحرب بوضوح في ما يُعرف بـ”الحزام الصناعي الكندي”، وهو الممر الممتد لمسافة 740 ميلاً من مدينة كيبيك إلى وندسور في أونتاريو، والذي يضم أكثر من 33 ألف منشأة صناعية تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة.

من أبرز نتائج هذه الأزمة إعلان شركة “ستيلانتيس” نقل إنتاج سيارات “جيب كومباس” من مصنعها في برامبتون بأونتاريو إلى ولاية إلينوي الأميركية، بسبب رسوم بنسبة 25% على السيارات الكندية. ووفق ما نقلته وول ستريت جورنال، فإن نحو 3,000 عامل في المصنع يعيشون حالة من القلق بعد أن طالت إجازاتهم القسرية منذ عام 2023، وسط مخاوف من خسارة وظائفهم بشكل دائم.

وقال أحد العمال، أرنولد برانكو، البالغ من العمر 64 عاماً، والذي عمل في المصنع لمدة 38 عاماً: “إنها كابوس… ترامب قلب كل شيء رأساً على عقب”. أما عمدة برامبتون، باتريك براون، فوصف قرار الشركة بأنه “ضربة قاسية” للمدينة التي يبلغ عدد سكانها نحو 790 ألف نسمة، مشيراً إلى أن تداعياته لا تقتصر على المصانع بل تمتد إلى قطاعات الخدمات والمطاعم المحلية.

الأرقام الاقتصادية تعزز هذه الصورة القاتمة. فقد بلغت نسبة البطالة في أونتاريو 7.9% في سبتمبر، متجاوزة المعدل الوطني البالغ 7.1%، بينما قفزت في وندسور، مركز صناعة السيارات، إلى أكثر من 11%. ووفق تقرير مكتب المساءلة المالية في أونتاريو، من المتوقع أن لا يتجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة 0.9% هذا العام و1.0% العام المقبل. أما مقاطعة كيبيك، التي تضم مصانع ضخمة للفولاذ والألمنيوم وصناعات الورق والغابات وتشغّل أكثر من 80 ألف عامل، فقدّر بنك مونتريال (BMO Economics) نموها بـ0.6% فقط هذا العام و0.9% العام القادم.

كما أشار وول ستريت جورنال إلى أن الصادرات الصناعية الكندية إلى الولايات المتحدة تراجعت بنسبة 15.6% منذ فبراير الماضي، وهو الشهر الأخير قبل فرض الرسوم الجديدة. وخسر القطاع الصناعي نحو 35 ألف وظيفة منذ ذلك الحين، في حين تجمّد الاستثمار الصناعي بسبب حالة عدم اليقين التجاري.

وقال دينيس داربي، رئيس جمعية المصنعين والمصدرين الكنديين، للصحيفة: “كندا ليست في وضع جيد الآن. الشركات لا ترغب في ضخ استثمارات جديدة ما دامت الحرب التجارية مستمرة”.

وتنعكس هذه الاضطرابات على المشهد الاقتصادي الكلي، إذ يتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن يبلغ معدل نمو كندا 1.1% في عام 2026، لتحتل المرتبة 30 بين 38 دولة، مقابل متوسط يبلغ 1.5% للدول الأعضاء. وصرّح محافظ بنك كندا، تيف ماكلم، لـوول ستريت جورنال بأن الحرب التجارية “دمّرت جزءاً من القدرة الإنتاجية في البلاد”، مشيراً إلى أن البنك المركزي اضطر إلى خفض أسعار الفائدة وتبنّي سياسة “النمو المتواضع جداً”.

وفي محاولة لمواجهة الانكماش، أعلنت حكومة كارني عن موازنة تتضمن إنفاقاً رأسمالياً وحوافز ضريبية بقيمة 280 مليار دولار كندي نحو 200 مليار دولار أميركي خلال خمس سنوات، وهي أكبر خطة دعم منذ الأزمة المالية العالمية، وفقاً لما أوردته وول ستريت جورنال. غير أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى عجز قياسي في الموازنة العامة.

ويرى جيم جيريل، رئيس شركة لينامار لتصنيع قطع السيارات والمعدات الصناعية، أن هذه الأزمة “جرس إنذار” لكندا لتعيد التفكير في اعتمادها المفرط على السوق الأميركية، قائلاً: “علينا أن نتعلم من هذه التجربة، لا يمكننا الاتكال إلى الأبد على أخينا الأكبر في الجنوب”.

من جانبها، باشرت وزيرة الصناعة الكندية ميلاني جولي عملية تسوية نزاع مع شركة “ستيلانتيس” لاسترداد جزء من المساعدات الحكومية التي تلقّتها الشركة في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن الحكومة “ستقاتل من أجل كل وظيفة في قطاع السيارات”، بحسب ما نقلته وول ستريت جورنال.

وتظل الأزمة مثالاً صارخاً على هشاشة الاقتصاد الكندي أمام النزعات الحمائية في واشنطن، وعلى صعوبة إعادة بناء قاعدة صناعية وطنية بعد عقود من الاندماج العميق مع الاقتصاد الأميركي.

الاقتصاد الكندي يترنّح تحت وطأة الرسوم الجمركية التي فرضه... | Ektisadi.com | Ektisadi.com