Contact Us
Ektisadi.com
تكنولوجيا

الولايات المتحدة والصين تتنافسان على ريادة الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين

freepik__create-a-powerful-cinematic-image-representing-the__12253

بعد ما يقارب ثلاث سنوات من انطلاق موجة الذكاء الاصطناعي بقيادة الولايات المتحدة، لا تزال معظم دول العالم تحاول اللحاق بهذا الركب. وحدها الصين تبدو الأقرب إلى مجاراة التقدّم الأميركي في هذا المجال، وفق تقرير موسّع نشرته وكالة بلومبيرغ.

تشهد الصين طفرة هائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أطلقت شركات مثل DeepSeek وعلي بابا (Alibaba Group) وMoonshot نماذج متقدمة تقترب من مستوى أنظمة الشركات الأميركية الرائدة، بدعم حكومي واسع يهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي أولوية وطنية. وتسعى بكين إلى تحقيق ذلك عبر خطة دعم حكومية سخية وشبكة وطنية مترابطة من مراكز معالجة البيانات.

هذا التقدّم الصيني أثار قلقًا واضحًا في وادي السيليكون وواشنطن، ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى إطلاق خطة عمل وطنية للذكاء الاصطناعي في تموز/ يوليو الماضي، تتضمّن إزالة العوائق البيروقراطية أمام بناء مراكز بيانات جديدة وتوفير الطاقة اللازمة لتشغيلها. وقال ترامب في خطاب رسمي: «الولايات المتحدة ستفعل كل ما يلزم لتبقى في صدارة العالم في الذكاء الاصطناعي».

وترى بلومبيرغ أن نتيجة هذا السباق ستحدّد من سيكون القوة التكنولوجية العظمى في القرن الحادي والعشرين.

التكنولوجيا

قادت الولايات المتحدة موجة التطورات الأساسية في الذكاء الاصطناعي الحديث، إذ طوّرت شركاتها الرقائق المتقدمة ونماذج اللغة الكبيرة التي شكّلت الأساس لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT. شركات مثل OpenAI وGoogle قدّمت أنظمة تحاكي المنطق البشري وتُنتج صورًا وفيديوهات وصوتًا، بالإضافة إلى ما يُعرف بـ“الوكلاء الذكيين” القادرين على تنفيذ مهام متزايدة التعقيد.

أما في الصين، فقد لحقت الشركات بسرعة بالابتكارات الأميركية. ورغم القيود المفروضة على وصولها إلى الرقائق الأميركية، نجحت في تطوير نماذج أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة والمعالجة، كما تبنّت سياسة المصدر المفتوح (Open Source)، مما جعل منتجاتها متاحة للعالم مجانًا.

تشير بلومبيرغ إلى أن هذه الاستراتيجية الصينية تهدف إلى التغلغل العالمي والترويج لاعتماد النماذج الصينية، حتى ولو جاء ذلك على حساب الأرباح قصيرة الأجل. في المقابل، تعتمد الشركات الأميركية الكبرى نموذجًا مغلقًا يفرض رسومًا مرتفعة مقابل استخدام النماذج المتقدمة.

وفي استجابة لذلك، شجّعت خطة البيت الأبيض أيضًا تطوير النماذج المفتوحة باعتبارها ذات قيمة جيوسياسية عالية. وبعد إطلاق شركة DeepSeek نموذجها الشهير R1 في كانون الثاني/ يناير، أعادت OpenAI النظر في استراتيجيتها وأطلقت في آب/ أغسطس نموذجين مفتوحين مجانيين.

الدولة والسياسة

في البلدين، يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداة استراتيجية تمسّ الاقتصاد والسياسة والأمن القومي.

صرّح نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس قائلاً: «نريد للعالم أن يعتمد على بنية تكنولوجية أميركية، لا صينية ولا غيرها».

في المقابل، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الذكاء الاصطناعي «ليس لعبة للدول الغنية فقط»، في إشارة إلى الطابع التجاري للنهج الأميركي. وفي 26 يوليو، أعلن رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ عن تأسيس هيئة دولية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي عالميًا، خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي في شنغهاي، حيث قدّمت الصين التكنولوجيا كـ«منفعة عامة للبشرية».

تتحرّك بكين بسرعة مذهلة: إدخال دروس الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية، تأسيس صناديق استثمارية، والسماح للشركات الحكومية باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، من المراقبة العامة إلى التمويل الرقمي. ومع ذلك، تُلزم السلطات الشركات بمراعاة الاستقرار الاجتماعي والرقابة على المحتوى، ما يدفع شركات مثل DeepSeek إلى حجب الردود حول مواضيع حساسة كـ«أحداث تيانانمن» أو «قضية تايوان».

وفي الولايات المتحدة، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا في يوليو يُلزم الشركات التي تتعامل مع الحكومة الفيدرالية بإثبات أن أنظمتها لا تتبنّى أفكارًا أيديولوجية معينة، في إشارة إلى سياسات التنوع والعدالة (DEI).

أما على صعيد القوانين، فتواجه الشركات الأميركية مثل OpenAI وAnthropic دعاوى قضائية تتعلّق بانتهاك حقوق الملكية الفكرية أثناء تدريب نماذجها على مواد محمية بحقوق النشر. في الصين، تعتبر المحاكم أن استخدام المواد المحمية في تدريب النماذج يُعدّ نسخًا مؤقتًا لا يُخالف القانون طالما لا يُعاد استخدامها بشكلها الأصلي.

المال والاستثمارات

بحسب بلومبيرغ، لا تزال كلفة تطوير الذكاء الاصطناعي مرتفعة للغاية رغم التحسينات التقنية.

فقد ضُخّ أكثر من 193 مليار دولار في شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2025، وهو رقم قياسي عالمي. ومن المتوقع أن تنفق Google وMeta وMicrosoft وAmazon أكثر من 370 مليار دولار في 2025 لبناء مراكز البيانات اللازمة لتشغيل النماذج.

أما الصين، فقد خصّصت استثمارات ضخمة أيضًا، إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن الإنفاق الرأسمالي الصيني في الذكاء الاصطناعي سيبلغ 98 مليار دولار في 2025، بزيادة 48% عن العام السابق، منها 56 مليارًا من الحكومة و24 مليارًا من شركات التكنولوجيا الكبرى مثل علي بابا وتينسنت، إضافة إلى صندوق استثماري جديد بقيمة 8.2 مليارات دولار لدعم المشاريع الناشئة.

الكفاءات البشرية

تحتفظ الولايات المتحدة بتفوّق في جذب العقول البحثية والعلمية من جميع أنحاء العالم، حيث إن 60% من كبرى شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية أسسها مهاجرون. غير أن هذا التفوّق مهدّد بتشدّد قوانين الهجرة.

في المقابل، تعمل الصين على عكس ظاهرة “هجرة العقول” عبر برامج مثل Qiming التي أعادت أكثر من 7,000 عالم ومهندس صيني من الخارج. وتراهن بكين على الانتماء الوطني أكثر من الحوافز المالية لجذب الخبراء.

البنية التحتية

أنشأت الصين نظامًا ضخمًا للذكاء الاصطناعي يعتمد على بيانات هائلة تُستمد من وسائل التواصل الاجتماعي والمراقبة والمعاملات المالية، بدعم شبكة واسعة من مراكز البيانات التي تعتمد بشكل متزايد على الطاقة المتجددة. لكن أبرز عائق أمامها هو نقص الرقائق المتقدمة بسبب القيود الأميركية على تصدير رقائق Nvidia، ما دفعها للاعتماد على هواوي وSMIC لتصنيع بدائل محلية أقل كفاءة ولكن قابلة للاستخدام.

في المقابل، تضخّ شركات أميركية كبرى مليارات الدولارات في بناء مراكز بيانات ضخمة مزوّدة بآلاف رقائق Nvidia. ويدعم ترامب مشروعًا مشتركًا بين OpenAI وOracle وSoftBank بقيمة 500 مليار دولار لتطوير البنية التحتية اللازمة.

ومع ذلك، تواجه الولايات المتحدة مشكلة في إمدادات الطاقة، إذ أضافت الصين وحدها 429 غيغاواط من القدرة الكهربائية في 2024، وهو رقم يفوق بكثير نظيره الأميركي.

اللاعبون الكبار

تتصدّر OpenAI المشهد الأميركي بعد إطلاق ChatGPT، إلى جانب Google وAnthropic وxAI التابعة لإيلون ماسك، بينما تسعى Meta لاستعادة موقعها بجذب أفضل المواهب برواتب خيالية.

أما في الصين، فتقود السوق شركات كبرى مثل Baidu وAlibaba وBytedance (مالكة تيك توك)، إضافة إلى شركات ناشئة مثل Zhipu وMoonshot وManus التي طوّرت وكلاء ذكاء اصطناعي قادرين على أداء مهام بحثية وتنظيمية معقدة.

ورغم أن النماذج الأميركية ما زالت تتفوّق عالميًا في التصنيفات، يؤكد سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، أنه «من الصعب تحديد مدى الفارق، لكنه ليس كبيرًا».

في الختام، تقول بلومبيرغ إن المنافسة بين واشنطن وبكين على قيادة الذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد سباق تكنولوجي، بل صراع شامل على النفوذ الاقتصادي والسياسي والعلمي، سيُحدد من يمتلك مفاتيح القوة في القرن الحادي والعشرين.