Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

ممداني من حملة انتخابية إلى معركة إدارة أعقد مدينة أميركية

مامداني

زهران مامداني (الإنترنت)

امتلأت حانة Bohemian Hall & Beer Garden في حي أستوريا في مساء 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، كوينز، بالشبان الاشتراكيين الذين احتفلوا لساعات طويلة مع تشجيع ورفع للرايات والهتافات. وعند الساعة 9:36 مساءً، انفجرت القاعة بهتافات جماعية: «ممداني هو عمدة نيويورك! ممداني هو عمدة نيويورك!»، صرخت شابة مرارًا وكأنها تحاول التأكيد لنفسها أن المستحيل قد تحقق، فقد انتخب نائِب الجمعية التشريعية في ولاية نيويورك زهران ممداني ، الرجل المسلم والمولود في أوغندا، ليصبح أول مسلم وعمدة جنوب آسيوي للمدينة، وهو أيضًا واحد من أصغر الأشخاص الذين تولوا هذا المنصب في تاريخ نيويورك.

الانتصار الانتخابي لممداني لم يكن مجرد مفاجأة انتخابية، بل حدث تاريخي يغير المشهد السياسي لمدينة تعد واحدة من أعقد المدن في العالم من حيث الإدارة والتنوع الاجتماعي والاقتصادي. على الرغم من الاحتفالات الهائلة، فإن التحديات الواقعية أمام العمدة الجديد ضخمة ومعقدة، إذ سيجد نفسه أمام مدينة تعاني من اختلال مالي كبير، اختلالات اجتماعية، وتحديات أمنية واقتصادية ضخمة.

الخلفية الشخصية والسياسية لممداني

وُلد زهران ممداني في أوغندا ونشأ في نيويورك، وبدأ مساره السياسي في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك في 2021 عن الدائرة 36 التي تشمل أحياء Astoria وLong Island City يشتهر ممداني بكونه عضوًا في الحزب الديمقراطي الاشتراكي، وقد تلقى دعمًا من شخصيات بارزة مثل بيرني ساندرز وألكسندريا أوكاسيو كورتيز .

لقد تميز مساره السياسي بالتركيز على العدالة الاجتماعية، والدفاع عن حقوق العمال، وتعزيز المساواة الاقتصادية، مما جعله محط اهتمام الأوساط التقدمية في الولايات المتحدة. وقد شهدت حملته الانتخابية برامج واسعة النطاق شملت وعده بتقديم حافلات مجانية لجميع سكان المدينة، رعاية أطفال مجانية من عمر ستة أسابيع حتى خمس سنوات، وإطلاق متاجر بقالة تديرها المدينة بأسعار الجملة، مع التركيز على تمكين الطبقة العاملة من الاستفادة المباشرة من خدمات المدينة.

مسار الانتخابات وانتصار ممداني التاريخي

شهدت الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في حزيران/يونيو 2025 صراعًا محتدمًا، حيث تغلب ممداني على أندرو كومو، الحاكم السابق لنيويورك، في ما وصفته العديد من المصادر بأنه زلزال سياسي في المدينة. وقد تمكن من الفوز بانتخابات العمدة العامة بعد أن حصد أكثر من 50% من الأصوات، وهو ما منحه تفويضًا واضحًا من الناخبين، وجعله في موقع تاريخي كأول مسلم وجنوب آسيوي يتولى هذا المنصب في نيويورك بحسب الجزيرة.

لقد اعتبر العديد من المراقبين هذا الانتصار نتيجة مباشرة لاستراتيجية الحملات التقدمية، التي ركزت على إشراك الشباب والمجتمعات المتنوعة في المدينة، بالإضافة إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال لإيصال الرسائل الانتخابية. كما استند ممداني في حملته إلى تجارب عالمية، حيث درس سياسات المدن الكبرى الأخرى لتعزيز العدالة الاقتصادية وتوسيع الخدمات العامة.

التحديات الاقتصادية والمالية

إدارة نيويورك ليست مجرد منصب سياسي، بل اختبار حقيقي للقدرة على إدارة مدينة ضخمة ومعقدة. فالمدينة تواجه اختلالًا ماليًا كبيرًا نتيجة تأثيرات ما بعد الجائحة على الاقتصاد، وعلى الرغم من تحسن عوائد الضرائب وعودة السياحة، فإن هناك تحديات ضخمة أمام الميزانية العامة. وقد أوضح المدير السابق للتنمية الاقتصادية في نيويورك سيث بينسكي ، أن "أصعب عنصر قد يواجه العمدة الجديد هو الأرقام المالية والرياضيات المعقدة للميزانية."

بالإضافة إلى ذلك، فإن أي زيادة متوقعة في الضرائب لتعزيز برامج مثل الحافلات المجانية ورعاية الأطفال، قد تؤدي إلى هروب بعض الأغنياء من المدينة، مما يزيد من الضغوط المالية على المدينة. وتشير تقارير عدة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يهدد بقطع الدعم الفيدرالي عن المدينة، وهو ما يمثل تحديًا إضافيًا أمام الإدارة الجديدة.

الصدام المحتمل مع القوى السياسية والمؤسسات

مهمة ممداني تتجاوز التحديات المالية لتشمل صدامًا محتملاً مع القوى السياسية المحلية والفيدرالية. فقد أعرب المستشار السياسي المخضرم دوغ شون، عن مخاوفه قائلاً: "نيويورك تواجه احتمال الكارثة… قاعدة ممداني تطلب أهدافًا يصعب تحقيقها."

كما تواجه الإدارة الجديدة تحديات في الموازنة بين الاستجابة لقاعدتها التقدمية الضيقة وبين محاولة توسيع التحالف السياسي لضمان استقرار الإدارة، وهو ما يعد تحديًا استراتيجيًا بالغ الأهمية. وقد شددت بعض المصادر على أن التركيز فقط على قاعدة الدعم التقدمية قد يؤدي إلى عزلة سياسية تعرقل تنفيذ السياسات.

الاستراتيجية الإدارية ومبادرات ما قبل تولي المنصب

بدأ فريق ممداني في وضع أسس الإدارة قبل فترة طويلة من بدء ولايته رسميًا. فقد حرص على التواصل مع قادة الأعمال والمدن والمجتمع المدني في نيويورك لبناء شبكة علاقات قوية. ومن أبرز المستشارين الذين ساعدوه في ذلك كانت سالي سوسمان وهي إحدى الرائدات التنفيذيات في الشركات الكبرى، والتي ساعدت في ترتيب لقاءات مع مسؤولي قطاعات الأعمال وففاً لغارديان.

وتركزت هذه اللقاءات على الاستماع لمخاوف رجال الأعمال حول الأمن العام، الحفاظ على النظام، وأهمية أن يكون العمدة الجديد قادرًا على التواصل بشكل فعال مع جميع الأطراف لضمان استقرار المدينة. وقد وصف أحد مستشاري RXR ديفيد جارتن ، لقاء ممداني بأنه أظهر اهتمامًا حقيقيًا بالاستماع لمخاوف المستثمرين واستيعاب التعقيدات الإدارية.

تشكيل الفريق الانتقالي

كشف ممداني عن تشكيل فريقه الانتقالي الذي يضم شخصيات بارزة من الإدارات السابقة، مثل رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية في إدارة بايدن، والتي تحظى بتقدير واسع لدى القاعدة التقدمية لينا خان. وقد أُدرج في الفريق أيضًا خبراء من الإدارات السابقة لضمان استمرارية المعرفة والخبرة الإدارية.

أحد أهم الملفات التي يواجهها الفريق هي إدارة شرطة نيويورك، حيث كان ممداني في الماضي يدعو لتقليص تمويل الشرطة، لكن في الوقت الحالي، أبدى استعداده للعمل مع قيادات الشرطة الحالية، بما في ذلك جيسيكا تيش ، لضمان أمن واستقرار المدينة، وهو ما يعكس استراتيجيته في الموازنة بين القاعدة التقدمية ومتطلبات إدارة المدينة.

تعد رعاية الأطفال المجانية من أولويات ممداني الأساسية، إذ وعد بتغطية الفئة العمرية من ستة أسابيع حتى خمس سنوات، بتكلفة تقديرية تبلغ 6 مليارات دولار سنويًا. وقد اقترح بعض مستشاريه البدء بتوسيع خدمات التعليم المبكر تدريجيًا، عبر إضافة صف دراسي واحد في كل مرة، لضمان الاستدامة المالية وتجنب صدمة الميزانية.

بالإضافة إلى ذلك، تركز الإدارة الجديدة على تعزيز العدالة الاجتماعية وتمكين الطبقة العاملة، مع الحرص على خلق بيئة تدعم الابتكار الاقتصادي والحفاظ على الأمن العام، وذلك من خلال حوار مستمر مع جميع الأطراف ذات العلاقة.

مواجهة ترامب والتحديات الفيدرالية

أحد أكبر التحديات التي قد يواجهها ممداني هو إدارة علاقته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فقد هدد ترامب باستخدام منصبه لإضعاف تمويل المدينة، خصوصًا إذا حاول ممداني تطبيق سياسات يسارية متقدمة. وقد اقترح بعض الخبراء أن ممداني قد يحتاج إلى الاستعانة بشبكة علاقاته مع رجال الأعمال للتفاوض والتوصل إلى حلول تحفظ مصالح المدينة وتحد من التدخلات الخارجية وففاً لغارديان.

القاعدة التقدمية التي ساعدت على انتخاب ممداني بدأت بالفعل بوضع استراتيجيات لضمان نفوذهم في المدينة، مؤكدين أن الفوز بالانتخابات ليس كافيًا، بل يجب ممارسة السلطة لتحقيق أهدافهم الاجتماعية والاقتصادية. وقد صرح منسق فرع الحزب الديمقراطي الاشتراكي في نيويورك غوستافو غورديلو ، بأن الهدف الأساسي هو بناء حركة ضغط خارجية لضمان تنفيذ السياسات بشكل فعل وففاً لغارديان.

إن انتخاب زهران ممداني كعمدة نيويورك يمثل نقطة تحول تاريخية في السياسة الأمريكية المعاصرة، حيث يجمع بين الحداثة والتقدمية والتنوع الثقافي والديني. ومع ذلك، فإن التحديات أمامه هائلة: إدارة مدينة معقدة ماليًا واجتماعيًا، التوازن بين الوعود الانتخابية والواقع المالي، التعامل مع المعارضة الداخلية والخارجية، وضمان تنفيذ برامج اجتماعية طموحة دون الإضرار باستقرار المدينة. النجاح في هذه المهمة سيتطلب مزيجًا من الدهاء السياسي، الاستعداد للاستماع لجميع الأطراف، والقدرة على ترجمة الطموحات التقدمية إلى سياسات عملية ومستدامة بحسب واشنطن بوست.