شراكة تاريخية بين الدروز والموارنة... اتفاقية تنمية اقتصادية تعزز العيش المشترك في لبنان

شيخ العقل خلال توقيع الاتفاقية الدرزية-المارونية (الوكالة الوطنية للإعلام)
شهد دار طائفة الموحدين الدروز مساء الأربعاء الماضي احتفالاً بارزاً بتوقيع اتفاقية تعاون مشترك مع الرهبانية اللبنانية المارونية، وذلك في مجال التنمية الاقتصادية، بحضور عدد كبير من الشخصيات السياسية والدينية والاجتماعية البارزة، برعاية شيخ العقل للطائفة الشيخ الدكتور سامي أبي المنى ورئيس الرهبانية الأب العام هادي محفوظ، بالإضافة إلى مشاركة نائب رئيس الحكومة طارق متري.
الحفل جمع نخبة من المسؤولين السياسيين والحزبيين، على رأسهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط، الذي ترأس وفداً نيابياً وحزبياً ضم النواب: مروان حمادة، راجي السعد، هادي أبو الحسن، وائل أبو فاعور، فيصل الصايغ، وأمين السر العام للحزب ظافر ناصر. كما حضر نائب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية النائب جورج عدوان ممثلاً رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع، والنائب غسان عطالله ممثلاً رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والوزير السابق زياد المكاري ممثلاً رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية، وممثل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، النائب فريد البستاني، وممثلة وزير الداخلية والبلديات فاتن أبو حسن. إلى جانب الوزراء السابقين الشيخ وديع الخازن، عباس الحلبي ويوسف سلامة.
وحضر أيضاً السفير البابوي في لبنان باولو بورجيا، وممثلون عن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، أبرزهم المطران بولس عبد الساتر، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات الدينية من مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية، وعلى رأسهم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، الشيخ الدكتور محمد شقير، المتروبوليت الياس عودة، رئيس طائفة الأقباط في لبنان وسوريا الأب أندراوس الأنطوني، وممثل قائد الجيش العماد رودولف هيكل. كما حضر ممثلون عن الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، وعدد من السفراء والبعثات الدبلوماسية، من بينهم ممثلون عن فرنسا والأردن والعراق، ورئيس جمعية فرسان مالطا المنسق العام خالد قصقص، بالإضافة إلى شخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية وأكاديمية.
افتتحت المناسبة بتوقيع الاتفاقية بين منسقَي المشروع الأب سمير غاوي والسيد نظام حاطوم، برعاية سماحة الشيخ أبي المنى والأب محفوظ، تلاه عزف النشيد الوطني اللبناني. وألقى أمين سر المجلس المذهبي المحامي رائد النجار كلمة افتتاحية أكد فيها أن مسار الشراكة الروحية الوطنية هو "مظلة للإصلاح والإنقاذ"، مشدداً على أهمية التكاتف بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني وعلى رأسها الهيئات الروحية، بهدف مواجهة الانقسامات السياسية والطائفية والاجتماعية، وتعزيز دور الدولة. وأوضح أن الهدف المباشر للشراكة هو خلق مشاريع اقتصادية توفر فرص عمل وتدعم العيش الكريم، بينما الهدف الأوسع يتمثل في تعزيز وحدة الأرض والهوية الوطنية وتحصين العيش المشترك، استناداً إلى تجربة المصالحة التاريخية التي أرساها الزعيم وليد جنبلاط والمغفور له غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في الثالث من آب 2001.
وتحدث بعد ذلك الأب سمير غاوي، منسق المشروع، مشدداً على أهمية الاتفاقية بالنسبة لمنطقة الجبل، شاكراً سماحة شيخ العقل ورئيس الرهبانية على ثقتهما في المشروع، ومتمنياً تحقيق أهدافه المرجوة. من جانبه، أوضح السيد نظام حاطوم، مدير عام شركة B5 للدراسات والاستشارات وإدارة الاستثمارات، أن الاتفاقية تهدف إلى تأمين فرص العمل والعيش الكريم للعائلات في المجتمعات الريفية من خلال استثمار الأملاك الوقفية، بالتعاون مع رجال الأعمال والمختصين الأكاديميين، لاسيما كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية، التي ساهمت ببرنامج شامل ضم عشرات العلماء والباحثين.
وأشار حاطوم إلى ثلاثة مشاريع أساسية تم وضعها تحت إطار الاتفاقية: المشروع الأول صناعي وبيئي لإنتاج الفحم الطبيعي الطبي من المخلفات الزراعية، على أملاك الرهبانية اللبنانية المارونية في كفرمتى، بهدف حماية الغابات وتأمين فرص العمل وتعزيز الصناعة الوطنية. المشروع الثاني يركز على الزراعة المستدامة وإعادة تأهيل البنية الزراعية بالتعاون مع الجامعة اللبنانية، مع إدخال أصناف جديدة من الأشجار المثمرة والأعشاب الطبية والعطرية، لتعزيز الأمن الغذائي ومكافحة التصحر. المشروع الثالث يتناول معالجة تلوث المياه والنفايات العضوية وتحويلها إلى موارد مفيدة مثل الأسمدة والمياه الصالحة للري، وفق معايير بيئية متقدمة. وأكد حاطوم أن جميع الدراسات التنفيذية والمالية جاهزة للطرح على المستثمرين المحليين والدوليين، وأن الفريق مستعد للنقاش العلمي مع أي جهة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من جانبه، تحدث رئيس الرهبانية اللبنانية المارونية الأب هادي محفوظ، موضحاً أن اللقاء ينسج بين حاضر تاريخي ومستقبل مشرق، مؤكداً عمق العلاقة التاريخية بين الدروز والموارنة، والتي تعود إلى القرن السادس عشر، مشيراً إلى رسائل قداسة البابا لاون الرابع عشر التي أثنت على دور الشيخ أبي المنى في تعزيز ثقافة الأخوّة والسلام. وأكد محفوظ أن الاتفاقية تعكس إرادة مشتركة لتعزيز الوحدة الوطنية والعيش المشترك، مع التأكيد على التعاون البناء بين المؤسسات الدينية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الوزير طارق متري هنأ على المشروع، مشيراً إلى أن الاتفاقية تعكس استمرار المصالحة التاريخية في الجبل، وتعمل على رفع وعي المجتمع بأهمية التعاون المشترك والبعد عن الطائفية الضيقة، وتعزيز المواطنة الحقيقية. وأكد أن الشراكة الروحية الوطنية تمثل قاعدة لنهج جديد يرتكز على القيم الروحية والاجتماعية، بما يتيح تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
واختتم شيخ العقل للطائفة الدروز الشيخ الدكتور سامي أبي المنى كلمته بالتأكيد على أن الاتفاقية تمثل بداية لعقود مماثلة مع مؤسسات دينية أخرى، وركيزة للعمل على مشاريع إنتاجية وتنموية على الأراضي الوقفية والأراضي المتاحة، مستشهداً بآيات قرآنية وأقوال إنجيلية تشدد على أهمية العمل المشترك والسعي لما فيه الخير للآخرين. وأوضح الشيخ أن هذه المبادرة تأتي لتشجيع الاستثمار في مشاريع تنموية تحافظ على الأرض، وتعزز التماسك الاجتماعي، وتدعم الأمن الغذائي والاجتماعي والبيئي، مشيراً إلى تأسيس شركة B5 كذراع اقتصادي تابع لمشيخة العقل لتنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع الرهبانية المارونية والمؤسسات الأكاديمية والأهلية.
وختم الشيخ أبي المنى بتوجيه الشكر لكل من ساهم في إنجاز هذه الاتفاقية، مؤكداً أن الهدف هو إصلاح وتطوير المجتمع اللبناني عبر الشراكة بين المؤسسات الدينية المختلفة، واستثمار الطاقات الشبابية والموارد الوطنية، بما يعزز الاستقرار والتنمية ويحقق الأمن الغذائي والاجتماعي والبيئي، مع تأكيد التمسك بالقيم الروحية والوطنية العليا.
