Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

بريطانيا تواجه "ثقبًا أسود" في المالية العامة وموجة ضرائب جديدة

Gemini_Generated_Image_6qwqcr6qwqcr6qwq

نشرت وكالة بلومبيرغ مقالًا تحليليًا للكاتب والمؤرخ البريطاني ماكس هاستينغز صاحب مؤلفات تاريخية معروفة مثل "الجحيم: العالم في حرب، 1939-1945" و"فيتنام: مأساة ملحمية 1945-1975" و"الهاوية: أزمة الصواريخ الكوبية 1962"، يكتب هاستينغز حاليًا مقالات رأي وتحليلات في وكالة بلومبيرغ، حيث يتناول قضايا الاقتصاد والسياسة الدولية بعمقٍ نقدي وبأسلوبٍ يجمع بين الخبرة التاريخية والرؤية المستقبلية تناول المقال الأزمة المالية والاجتماعية المتفاقمة في أوروبا، محذرًا من أن القارة العجوز تتجه بخطى ثابتة نحو "الانهيار المالي" إذا لم تُتخذ قرارات إصلاحية جذرية.

يشير هاستينغز في مقاله إلى أن بريطانيا تواجه أزمة مالية خانقة، إذ تستعد حكومة حزب العمال بقيادة المستشارة المالية رايتشل ريفز لإعلان موازنة نهاية الشهر الجاري، يتوقع أن تتضمن زيادات ضريبية مؤلمة تشمل ضريبة الدخل والضرائب العقارية وربما ضريبة على الأصول وفقاً لبلومبيرغ.

ويرى الكاتب أن السبب يعود إلى "الثقب الأسود" في المالية العامة البريطانية، حيث تستهلك فوائد الديون العامة حصة أكبر من ميزانية الدولة مقارنة بالإنفاق على التعليم والدفاع والبنية التحتية، مشيرًا إلى أن أكثر من نصف البريطانيين يحصلون من الدولة على أموال تفوق ما يدفعونه من ضرائب.

ويؤكد هاستينغز أن بريطانيا ليست وحدها في هذا المأزق؛ فالمستشار الألماني فريدريش ميرتس أقرّ مؤخرًا بأن بلاده لم تعد قادرة على تحمّل تكاليف نظامها الاجتماعي الحالي، مشددًا على أن المرحلة المقبلة ستشهد "قرارات مؤلمة" تتضمن تخفيضات في الإنفاق.

أما في فرنسا، فقد أثار الرئيس إيمانويل ماكرون احتجاجات واسعة بعد محاولته رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، فيما تراجع رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو عن تنفيذ القرار إلى ما بعد انتخابات 2027، تحت ضغط المعارضة اليمينية واليسارية المتشددة.

ويذكّر الكاتب بتحذير رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد العام الماضي، من أن برامج الرفاه الاجتماعي في أوروبا باتت مهددة، وهو تحذير يراه اليوم أكثر واقعية من أي وقت مضى. ومع ذلك، يقول هاستينغز إن ضعف الإرادة السياسية لدى القادة الأوروبيين يجعل من الصعب إقناع المواطنين بضرورة "التقشف" والتخلي عن بعض الامتيازات بحسب بلومبيرغ.

ويشير المقال إلى أن أوروبا تفتقر اليوم إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، إذ إن الاقتصاد الأميركي، بفضل تفوقه التكنولوجي ودور عملته كعملة احتياط عالمية، ما زال قادرًا على الصمود، بينما تعاني أوروبا من تكاليف طاقة باهظة وسياسات بيئية "مبالغ فيها" جعلت الشركات البريطانية تدفع أربعة أضعاف ما تدفعه نظيراتها الأميركية مقابل الطاقة.

وفي المقابل، يرى هاستينغز أن إيطاليا تمثل استثناءً نسبياً، إذ نجحت حكومة جورجيا ميلوني التي أنهت عامها الثالث في الحكم في تحقيق درجة من الاستقرار المالي والسياسي، مع تراجع نسب البطالة وارتفاع الإيرادات الضريبية وانخفاض عجز الموازنة إلى النصف، وهو ما جعلها تحظى بنسبة تأييد مرتفعة مقارنة بنظرائها الأوروبيين وفقاً لبلومبيرغ.

لكن الوضع في بريطانيا، بحسب المقال المنشور في بلومبيرغ، يبدو أكثر قتامة؛ إذ يتوقع الكاتب أن تؤدي الزيادات الضريبية المقبلة إلى إضعاف الاقتصاد وزيادة الأعباء على الأجيال القادمة، في وقتٍ ترتفع فيه معدلات البطالة والخمول الاقتصادي بشكل مقلق، حيث يُقدَّر أن 20% من السكان في سن العمل لا يشاركون في سوق العمل، بعضهم لأسباب صحية حقيقية، بينما يختار آخرون ببساطة الاعتماد على الدولة دون إنتاج.

ويختم هاستينغز مقاله بالتأكيد على أن الأزمة الأوروبية ليست مالية فقط بل فكرية وسياسية، إذ تعجز الحكومات عن مواجهة الناخبين بالحقيقة القاسية: أن دولة الرفاه كما عرفتها أوروبا لم تعد قابلة للاستمرار. وينقل عن ماريو دراغي، رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ورئيس البنك المركزي الأوروبي سابقًا، قوله "كل زعيم أوروبي يعرف ما يجب فعله لإنقاذ المالية العامة، لكن لا أحد يعرف كيف يُعاد انتخابه بعد ذلك" بحسب بلومبيرغ.

ويضيف الكاتب أن من غير المرجح أن تُقدم حكومة حزب العمال البريطاني على إصلاحات جذرية في الموازنة المرتقبة، بل ستختار "الطريق السهل" أي رفع الضرائب على العاملين لتمويل العاطلين لتواصل بريطانيا، ومعها أوروبا، السير في طريق طويل نحو الانهيار الاقتصادي الحتمي.