Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

تداعيات معيشية قاسية في أميركا بسبب الإغلاق الحكومي... آلاف الموظفين بلا رواتب ومساعدات غذائية مهددة

Gemini_Generated_Image_orsl38orsl38orsl

دخل الإغلاق الحكومي الأميركي أطول مراحله في التاريخ، وسط غياب أي مؤشرات على التوصل إلى حلّ قريب، مما يجعل أثره الاقتصادي أكثر عمقاً واتساعاً. وبحسب تقديرات المحللين، فإنّ كل أسبوع إضافي من الإغلاق يُكبّد الاقتصاد الأميركي ما بين 10 و30 مليار دولار، مع متوسط خسائر يناهز 15 مليار دولار أسبوعياً.

الإغلاق، الذي بلغ يومه السادس والثلاثين، تجاوز الرقم القياسي المسجل في بداية عام 2019 خلال الولاية الأولى للرئيس السابق دونالد ترامب. وفي حين كانت آثار الإغلاقات السابقة محدودة زمنياً، مع تعويض الموظفين الفدراليين المتوقفين عن العمل ودفع المستحقات المتأخرة فور إعادة فتح الدوائر، إلا أن الوضع الحالي يبدو أكثر خطورة، وفق ما يؤكد عدد من الاقتصاديين.

يعود السبب إلى هشاشة الاقتصاد الأميركي مقارنة بما كان عليه قبل سبع سنوات، وسط مخاوف متزايدة لدى المواطنين بشأن التضخم وفرص العمل. ويشير الخبراء إلى أن تداعيات الإغلاق الحالي لا تقتصر على تأخر رواتب العاملين الفدراليين، بل تمتد إلى ملايين الأميركيين الذين يفقدون جزئياً إمكانية الحصول على المساعدات الغذائية مع اقتراب موسم الأعياد.

وقال كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في بنك "باركليز" جوناثان ميلار: "عادةً لا تتسبب الإغلاقات الحكومية بكوارث اقتصادية، لكن هذه المرة قد تكون مختلفة".

وفي ظل محاولات إدارة ترامب تسريح آلاف الموظفين الفدراليين خلال فترة الإغلاق، واقتراحها حرمان بعض الـ650 ألف موظف الموقوفين عن العمل من الرواتب اللاحقة، ازداد الغموض بشأن حجم الخسائر الفعلية التي يمكن استردادها لاحقاً.

ووفقاً لتقديرات مكتب الموازنة في الكونغرس، فإن استمرار الجمود قد يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الرابع بما يصل إلى نقطتين مئويتين. وإذا امتد الإغلاق حتى عطلة "عيد الشكر"، فقد لا تُستعاد نحو 14 مليار دولار من النشاط الاقتصادي إطلاقاً.

الآثار الجانبية بدأت بالفعل بالظهور على القطاع الخاص، من توقف شركات المتعاقدين مع الحكومة عن العمل، إلى تراجع أنشطة الشركات السياحية بسبب إغلاق المنتزهات والمتاحف. كما تشهد بعض المطارات الكبرى تأخيرات متزايدة نتيجة نقص المراقبين الجويين، الذين يُجبرون على العمل دون أجر.

تداعيات على العمال والبطالة

الانعكاسات المعيشية للإغلاق تطال العمال في مختلف الولايات، وليس فقط في العاصمة واشنطن أو المدن ذات الكثافة الحكومية العالية. ففي أركنساس، اضطر الموظف الفدرالي سينيكا بلانت إلى سحب أموال من صندوق تقاعده وطلب مساعدة من كنيسته لتسديد إيجاره، بعدما تم تسريحه مؤقتاً من عمله في "مجلس علاقات العمل الوطني".

وقال بلانت، البالغ من العمر 40 عاماً إنه أجّل دفع قرض سيارته، لكنه لا يعرف كيف سيواجه الشهر القادم إن لم تُحل الأزمة. وأضاف بأسى: "الفواتير لا تعرف ما هو الإغلاق".

وبسبب إدراج الموظفين الفدراليين الموقوفين ضمن العاطلين عن العمل، قد ترتفع نسبة البطالة إلى 4.7% في تشرين الأول/أكتوبر مقارنة بـ4.3% في آب/أغسطس، بحسب تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس".

تأثيرات متسلسلة على القطاع الخاص

تُقدّر قيمة الإنفاق الفدرالي المجمد على السلع والخدمات بنحو 24 مليار دولار خلال الشهر الأول من الإغلاق. ومع دخول الأسبوع السادس، تتزايد المخاطر على الشركات المتعاقدة والمورّدين الذين يعتمدون على تلك الأموال.

وقال كبير الاقتصاديين في "أوكسفورد إيكونوميكس" برنارد ياروس، إن الوضع قد يجبر المتعاقدين على تسريح عمالهم أو خفض أجورهم. وفي الوقت نفسه، تعطّلت قروض "إدارة الأعمال الصغيرة" (SBA) التي تموّل آلاف المؤسسات الخاصة، إذ حُرم نحو 4800 مشروع صغير من قروض بقيمة 2.5 مليار دولار، كانت مخصصة لتغطية النفقات التشغيلية والتوسعات.

من جانبه، نائب الرئيس التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية أكد نيل برادلي أن "تأثيرات الإغلاق على الأعمال تتراكم وتؤثر على النمو الحالي والمستقبلي للشركات، والحكومة يجب أن تعود للعمل سريعاً".

تأخير في المساعدات الغذائية

أعلنت إدارة ترامب هذا الأسبوع أنها ستقوم بتمويل جزئي لبرنامج المساعدات الغذائية (SNAP) الخاص بشهر تشرين الثاني/نوفمبر، التزاماً بقرار قضائي، لكن المبلغ لن يتجاوز نصف المستحقات المعتادة للعائلات، وقد يتأخر توزيعه أسابيع.

في ولاية تينيسي، تعيش ميليسا لويس، وهي أمّ عزباء لطفلين، حالة قلق متزايدة بشأن كيفية تأمين الغذاء لعائلتها، إذ تعتمد على البرنامج لتغطية احتياجاتها، خاصة بعد أن اضطرت للتوقف عن العمل مؤقتاً بسبب عمليات جراحية في الظهر.

وقالت لويس: "لم أشعر يوماً بهذا العجز. لا أعرف كيف سأطعم أطفالي. الناس يعانون والحكومة تتصارع مع نفسها ونحن من ندفع الثمن".

وفي تكساس، توقعت كلاريسا كلارك، المسؤولة في بنك الطعام بشمال الولاية، ارتفاعاً في الطلب على المساعدات إذا لم تُصرف مخصصات SNAP في موعدها. ورغم أن البنك استطاع تأمين احتياجاته من الأغذية حتى نهاية العام، إلا أنه يخشى من النقص في موسم الأعياد حيث يزيد الإقبال عادة.

كذلك، تأثّر برنامج "هيد ستارت" الذي يوفر خدمات الحضانة والتعليم المبكر لأبناء الأسر الفقيرة، إذ حُرم أكثر من 8,000 طفل وعائلة من خدماته حتى الآن، وفق "الجمعية الوطنية لهيد ستارت"، التي حذّرت من ارتفاع العدد مع استمرار الإغلاق.

تداعيات سياسية واقتصادية متشابكة

في صميم الخلاف داخل واشنطن تقف الإعانات التي أقرّها الديمقراطيون عام 2021 لتخفيض أقساط التأمين الصحي لنحو 20 مليون أميركي من خلال "قانون الرعاية الصحية الميسرة". ومع اقتراب نهاية العام، يهدد انتهاء صلاحية هذه الإعانات بارتفاع متوسط الأقساط إلى أكثر من الضعف، بحسب مؤسسة KFF المتخصصة في سياسات الصحة.

وقال كبير خبراء الاقتصاد في "موديز أناليتيكس" مارك زاندي: "الأضرار الاقتصادية ستتفاقم أكثر إذا استمر الإغلاق لما بعد عيد الشكر، لأن ذلك سيؤثر سلباً على ثقة المستهلكين وإنفاقهم في موسم التسوق الأساسي لأعياد الميلاد".