الذكاء الاصطناعي يشكل القلق من خطر نظامي في أفق الاقتصاد الأميركي

أوبن إي آي
تحولت شركة "أوبن إي آي" تدريجياً وبسرعة فائقة إلى قوة ضخمة يصعب استيعاب حجمها، مما أثار تساؤلات جدية حول ما إذا كانت قد أصبحت أكبر من أن تفشل، إذ أنه على الرغم من أنها لم تسجل أرباحاً بعد، وإيراداتها السنوية لم تتجاوز نسبة 2 بامئة من مبيعات موقع "أمازون دوت كوم"، إضافة إلى مستقبلها المعلق بتحقيق الذكاء الاصطناعي الخارق الذي يُعتقد أنه سيساعد في علاج الأمراض وتغيير نمط الحياة والعمل، إلا أنها نجحت في توليد حماس وأمل هائلين.
فبحسب ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال اليوم الأحد، تكمن المخاوف الرئيسية في أن الصفقات التقنية المعقدة والغامضة التي أبرمتها "أوبن إي آي" لتعزيز وضعها المالي قد جعلتها عملياً كياناً أكبر من أن يُسمح بانهياره، حيث يخشى المحللون من أن فشل التوقعات والأمل المعقود على رؤية الرئيس التنفيذي سام ألتمان لمستقبل الذكاء الاصطناعي قد يشكل خطراً نظامياً على قطاع رئيسي من الاقتصاد الأميركي، الذي يُعتقد أنه يلعب دوراً حاسماً في تجنب الركود.
ويعتبر هذا الةضع نادرا، خاصة لشركة ناشئة، إذ أنه في فترة طفرة الدوت كوم، لم يقلق أحد من انهيار شركات مثل "بتس دوت كوم"، لكن تجربة إنقاذ البنوك وشركتي كرايسلر، وجنرال موتورز في 2008-2009 أظهرت ما يحدث في الولايات المتحدة عندما تصبح شركات معينة ذات أهمية قصوى.
ووفق ما أفادة به صحيفة وول ستريت جورنال، نجح ألتمان، سواء عن قصد أو صدفة، في هندسة صعود"أوبن إي آي" لتصل قيمتها إلى 500 مليار دولار، في الوقت الذي تبنّت فيه الإدارة الأميركية سياسات اختيار أبطال تكنولوجيين باسم الدفاع القومي والأمن الاقتصادي.
في هذا الإطار، كان قد أعلن البيت الأبيض عن جهوده لحماية تطوير الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، وهو ما يغذي اقتصاداً كان سيكون أبطأ بكثير لولا هذا القطاع، كما راعن البعض على أن الذكاء الاصطناعي والروبوتات ستكون الحل لمشكلة الديون الوطنية. 
في هذا السياق، قال المستثمر التقني ديفيد ساكس، الذي أصبح لاحقاً خبيراً في شؤون الذكاء الاصطناعي في البيت الأبيض، أن الاقتصاد الذي يتجاوز دينه 30 تريليون دولار يحتاج إلى تعزيز الإنتاجية الذي سيوفره لنا الذكاء الاصطناعي.
وقد شهدت الأيام الأخيرة تأكيدات متعددة على مدى مركزية وأهمية "أوبن إي آي"، التي تأسست في عام 2015 كمنظمة غير ربحية، حيث دعا السيناتور بيرني ساندرز إلى تفكيك "أوبن إي آي" وروبوت الدردشة "شات جي بي تي" التابع لها، وهو تصريح لافت بالنظر إلى أن إيرادات الشركة المتوقعة لهذا العام لا تتجاوز 13 مليار دولار.
وأوضح ساندرز لموقع أكسيوس عن الذكاء الاصطناعي، أنه مثل نيزك قادم إلى هذا الكوكب، مؤكدا على ضرورة الاستعداد للتعامل معه بكل تعقيداته.
وبحسب ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أعلنت "أوبن إي آي" عن خطوات ستسمح لها بتبني هيكل مؤسسي أبسط، ما سيسهل جمع الأموال من مستثمرين من القطاع الخاص، الذي من المفترض أن يمهد الطريق لتصبح شركة مدرجة في البورصة يوماً ما، إذ يتحدث البعض بالفعل عن احتمال أن يكون الاكتتاب العام الأولي لأوبن إي آي هو الأول الذي يتجاوز تقييمه تريليون دولار.
وفي مدونة نشرت مؤخراً، احتفى رئيس مجلس إدارة OpenAI، بريت تايلور، بهذه اللحظة معلناً أن بُنيت الشركة لخدمة الجميع، وهو الخطاب الإيثاري المعروف عن ألتمان، الذي يتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي فائق الذكاء أو الذكاء العام الاصطناعي في علاج السرطان وإنقاذ البشرية.
وتُعد الروابط بين عمالقة التكنولوجيا هذه واعتماد سوق الأسهم عليها أمراً بالغ الأهمية، إذ أن الدروس المستفادة من الأزمة المالية في بداية هذا القرن لم تقتصر على أن البنوك كانت أكبر من أن تفشل، بل كانت أيضاً أكثر ترابطاً من أن تفشل، إضافة إلى أن المؤسسات المالية الكبرى كانت متشابكة عبر شبكة من الأدوات والمركبات المالية المعقدة التي هددت بانهيار النظام الأميركي بأكمله عندما كادت بعض الأطراف تسقط.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد من يقول أن "أوبن إي آي" تتلاعب بأي شيء شبيه بقروض الكذب، أو قروض الرهن العقاري عالية المخاطر، إلا أن الشركة تنخرط في صفقات معقدة مع الركائز الأساسية لصناعة التكنولوجيا، وهي الشركات التي تصنع عتاد ثورة الحوسبة للذكاء الاصطناعي، مثل الرقائق، وكابلات إيثرنت.
كما و تقوم هذه الشركات، بما في ذلك إنفيديا، وأوراكل، بالشراكة مع أوبن إي آي، التي تلتزم بدورها بعمليات شراء ضخمة في السنوات القادمة كجزء من طموحاتها للنمو.
في هذا السياق، يرى مؤيدو الشركة أن هذه مجرد صفقات ذكية، حيث تضخ شركة مثل إنفيديا الأموال في شركة ناشئة تخلق سوقاً جديدة، بينما تستخدم OpenAI القيمة العالية لأسهمها الخاصة لشراء أصول مادية. ويشجع هؤلاء على نجاح الشركة باعتبارها فرصة جيلية فريدة لإزاحة الفائزين في دورات التكنولوجيا الماضية، كما يرى البعض أن "أوبن إي آي" هي بمثابة أبل، فيسبوك، غوغل، وتيسلا، مدمجة في كيان واحد.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي، مصطفى سليمان أن الصناعة تقلل من أهمية حجم هذا الأمر وتقلل من الاستثمار فيه، متجاهلاً المخاوف المثارة حول تحول "أوبن إي آي" إلى كيان أكبر من أن يفشل.
كما رسم سليمان صورة أكثر تفاؤلاً، مشيراً إلى أن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي أظهرت بالفعل تحسناً هائلاً في القدرات، وأن الإنفاق المستقبلي سيدفع إلى تحسينات لا تصدق في القدرات التي من شأنها أن تقلب كل صناعة تقريبا.
على النقيض من ذلك، يرى آخرون أن "أوبن إي آي" تشبه جنون التوليب، نذير الكساد العظيم، الفقاعة القادمة للدوت كوم، أو الأسوأ من ذلك، حيث يرونها كقاتلة للوظائف وشركة عالم مجنون عازم على صناعة فرانكنشتاين.