الاقتصاد الأميركي يُظهر صمودًا رغم الرسوم الجمركية المرتفعة ومخاوف التضخم

رغم التحذيرات المتكررة من ركود اقتصادي وارتفاع حاد في الأسعار، يبدو أنّ الاقتصاد الأميركي قد نجح في تحدّي التوقعات المتشائمة بشأن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في نيسان/ أبريل الماضي.
فبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، توقع خبراء الاقتصاد في البداية أن تؤدي الرسوم الجديدة إلى قفزة في معدلات التضخم وزيادة احتمالات الركود، غير أنّ هذه المخاوف تبدو اليوم مبالغاً فيها. فالتضخم، رغم أنه ما يزال مرتفعاً، جاء أقل من التقديرات، في حين يواصل الاقتصاد النموّ بوتيرة مستقرة رغم أعلى رسوم جمركية تُفرض منذ قرن تقريباً.
وتنقل الصحيفة عن كيلي كوالسكي، رئيسة قسم استراتيجيات الاستثمار في شركة MassMutual، قولها: "لست متأكدة من أنّ الرسوم الجمركية أثرت بالقدر الذي كان يتوقعه البعض."
وفي المقابل، فإنّ المكاسب الموعودة من هذه الرسوم لم تتحقق بالكامل، إذ جاءت عائدات الرسوم أقل بكثير من تقديرات وزارة الخزانة الأميركية، كما لم تظهر مؤشرات واضحة على انتعاش كبير في التصنيع المحلي.
تشير بيانات Pantheon Macroeconomics إلى أنّ وزارة الخزانة تتجه لجمع نحو 34 مليار دولار في أكتوبر، ما يعني أن العائد السنوي قد يبلغ نحو 400 مليار دولار فقط، وهو أقل من التوقعات السابقة لوزير الخزانة سكوت بيسنت الذي قدّر الإيرادات بين 500 مليار وتريليون دولار سنوياً.
وتضيف وول ستريت جورنال أنّ متوسط الرسوم الفعلي التي تدفعها الشركات لا يتجاوز 12.5%، مقارنة بنسبة تتجاوز 17% في التقديرات الرسمية، بسبب الثغرات والإعفاءات الجمركية التي تسمح للكثير من السلع بتفادي الرسوم الأعلى. كما قامت شركات عديدة بنقل إنتاجها من الصين إلى دول مثل فيتنام والمكسيك وتركيا لتقليل تكاليف الرسوم.
يقول راندي ألتشولر، المدير التنفيذي لشركة Xometry: "الشركات لا تتجنب الإنتاج الخارجي، لكنها تعيد توزيع مصادرها."
كما لجأت بعض الشركات إلى تخزين البضائع مسبقاً قبل دخول الرسوم حيز التنفيذ. فعلى سبيل المثال، أعلنت Signet Jewelers أنها تخطط لاستخدام المناطق الجمركية الحرة وتغيير مواقع الإنتاج لتقليل الأعباء. وأكدت شركة الخدمات اللوجستية GXO أنّ الطلب على هذه المناطق يتزايد.
وبحسب تقديرات بنك أوف أميركا، يتحمل المستهلكون بين 50% و70% فقط من كلفة الرسوم، فيما تغطي الشركات النسبة المتبقية بفضل هوامش أرباح مرتفعة منذ جائحة كورونا، ما يجعلها قادرة على امتصاص جزء من التكاليف دون رفع الأسعار.
تقدّر Pantheon أنّ تجار التجزئة يستطيعون تحمّل ما يقارب 30% من كلفة الرسوم دون التأثير على أرباحهم المعتادة خلال العقد الماضي.
أما في قطاع السيارات، فتكشف بيانات JPMorgan أنّ أسعار السيارات ارتفعت بنسبة 1.1% فقط بين مارس وسبتمبر، رغم فرض رسوم تصل إلى 15% على بعض الواردات، ما يعني أنّ شركات السيارات تغطي نحو 80% من كلفة الرسوم وتحوّل 20% فقط إلى المستهلكين.
من جهة أخرى، توضح الصحيفة أنّ الشركات الأجنبية لم تخفض أسعار صادراتها لتعويض الرسوم، إذ تُظهر بيانات وزارة العمل الأميركية أن أسعار الواردات قبل فرض الرسوم لم تنخفض بشكل ملحوظ.
ورغم المخاوف من تأثير الرسوم على الإنفاق الاستهلاكي الذي يشكل نحو 70% من الناتج المحلي الأميركي، حافظ الأميركيون على مستوى إنفاقهم، مدعومين بارتفاع سوق الأسهم وانخفاض البطالة، رغم تراجع مؤشر ثقة المستهلك في نيسان/ أبريل إلى أدنى مستوى له منذ 2022.
وتختم وول ستريت جورنال بالإشارة إلى أن الاقتصاديين لا يعتبرون ذلك نصراً نهائياً، إذ يرون أنّ تكاليف الرسوم وحالة عدم اليقين قد تدفع بعض الشركات إلى التريث في التوظيف، ما يساهم في ضعف سوق العمل. كما يتوقعون أن تبدأ الشركات تدريجياً بتحميل المستهلكين نسبة أكبر من الرسوم خلال العام المقبل، ما قد يُبقي تأثيرها على التضخم قائماً لفترة طويلة.
