موجة الذكاء الاصطناعي وتقلبات السياسة التجارية تدفع أسواق الأسهم الأميركية للارتفاع بنسبة 18٪ في عهد ترامب

ذكرت وكالة بلومبيرغ أنّ عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أطلقت موجة من الارتفاعات في أسواق الأسهم الأميركية، مدفوعة بمزيج من الطفرة في الذكاء الاصطناعي والتقلبات الناتجة عن سياساته التجارية غير المستقرة.
وأفادت الوكالة أن مؤشر S&P 500 قفز بنسبة 18% منذ فوز ترامب في الانتخابات في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، مسجّلًا أعلى مستوى له على الإطلاق بعد ستة أشهر متتالية من المكاسب، في وقت جاءت فيه هذه الزيادة على خلفية توقعات بأن تؤدي خطط ترامب لخفض الضرائب وتخفيف القيود التنظيمية إلى طفرة اقتصادية. إلا أن التغيرات المفاجئة والمتكرّرة في السياسة التجارية الأميركية أصبحت السمة الأبرز، حيث رفعت الرسوم الجمركية والتهديدات بالقيود التجارية منسوب الضبابية الاقتصادية إلى أعلى مستوى منذ عام 1900، كما تسببت بارتفاع حاد في مؤشرات تقلب السوق، خصوصًا في نيسان/أبريل حين فرض ترامب أشد الرسوم خلال 90 عامًا.
ونقلت بلومبيرغ عن دين كورنت، الرئيس التنفيذي لشركة Macro Risk Advisors LLC، قوله إنّ ما حدث كان “أحد أكثر الانفجارات الدرامية في تقلب الأسواق على الإطلاق”.
وأوضحت الوكالة أنه لولا الطفرة في أسهم الذكاء الاصطناعي، لكانت مكاسب السوق محدودة، إذ شكّلت شركات التكنولوجيا الكبرى الجزء الأكبر من الارتفاع، فيما عانت الشركات الصناعية والمستهلكة من تباطؤ النمو وارتفاع كلفة الإنتاج. فمؤشر S&P 500 المعدّل وفق القيمة السوقية ارتفع فقط بنسبة 5.2% هذا العام، في حين أن السهم المتوسط في المؤشر حقق مكسبًا لا يتجاوز 1.2%.
وأشارت بلومبيرغ إلى أن الذكاء الاصطناعي كان المحرّك الرئيس، إذ أصبح Nvidia أول شركة في التاريخ تتجاوز قيمتها 5 تريليونات دولار، بينما تجاوزت Apple وAlphabet حاجز 4 تريليونات دولار. وتشكل الشركات السبع الكبرى أكثر من نصف مكاسب السوق.
وقال ألونسو مونيوز، مدير الاستثمار في Hamilton Capital Partners LLC، إنّ “الجميع انضم إلى موجة الذكاء الاصطناعي”، مشيرًا إلى أن المستثمرين يرون أن هذه التقنية ما زالت “في مراحلها الأولى من القفزات التكنولوجية”. وأضاف أنه باع حصصه في القطاعات الدفاعية في نيسان/أبريل لزيادة استثماراته في شركات الذكاء الاصطناعي مثل Alphabet.
في المقابل، استمرت التقلبات المرتبطة بالسياسات التجارية، إذ أثارت تهديدات ترامب بفرض الرسوم موجات متكررة من الارتفاع والانخفاض في أسهم الشركات. فقد أنعش أسهم شركة Intel عبر صفقة منحت بموجبها الولايات المتحدة حصة 10% من الشركة مقابل دعم حكومي، وطالب بحصة مماثلة في U.S. Steel للموافقة على صفقة استحواذ، كما استثمرت الحكومة في شركات تعدين صغيرة تعتبر حيوية للأمن القومي، ما رفع أسهم قطاع التعدين الأميركي.
كما أن تدخلاته في سياسات الاحتياطي الفيدرالي ومحاولاته التأثير على قراراته زادت من حدة تقلب الأسواق. واعتبر كورنت أن “الاضطرابات المتكرّرة تضعف الأسواق تدريجيًا، كما لو كانت بناية تتصدّع بفعل الاهتزاز المستمر”، محذرًا من أن الأسواق “ليست مضادة للهشاشة ولا يمكنها تحمّل قدر كبير من عدم اليقين”.
ورغم تحقيق ارتفاع بنسبة 18% منذ الانتخابات، إلا أن الأداء يُعد متواضعًا مقارنة بالعام السابق الذي شهد مكاسب بلغت 36%، حيث جاءت الأسهم الأميركية في المرتبة 54 عالميًا من حيث الأداء، خلف أسواق كندا واليابان وألمانيا. كما أوضحت بيانات CFRA أن العام الأول من ولاية ترامب الثانية يحتل المرتبة الثامنة من حيث الأداء بين الانتخابات الرئاسية خلال الثمانية عقود الماضية، خلف جو بايدن (الأول) وباراك أوباما (الخامس) وبيل كلينتون (الثاني).
ووفق بلومبيرغ، فإن أسهم السلع الاستهلاكية كانت من الأضعف أداءً، إذ تراجعت أسهم Chipotle Mexican Grill الأسبوع الماضي بعد تحذيرات من انخفاض الإقبال، بينما تراجع قطاع السلع الأساسية نتيجة تأثير الرسوم على هوامش الأرباح. أما قطاع المواد الخام فشهد انخفاضًا بنحو 8% بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات الكيميائية القادمة من الصين وشركاء تجاريين آخرين.
ورغم ذلك، قالت بلومبيرغ إنّ زخم الذكاء الاصطناعي جعل من الصعب على المستثمرين الابتعاد عن السوق الأميركية، بفضل حجمها الكبير وسيولتها العالية. كما بدأت التوترات التجارية بالانحسار عقب جولة ترامب الآسيوية التي أسفرت عن تفاهمات مع عدة دول، في حين تراجعت المخاوف من المنافسة الصينية في الذكاء الاصطناعي منذ شباط/فبراير، مدعومة باستمرار نمو أرباح الشركات الأميركية.
وقال مايكل ديكسون، رئيس الأبحاث في Horizon Investment LLC، إنّ المستثمرين اليوم “أكثر ثقة مما كانوا عليه العام الماضي”، مشيرًا إلى أن الوضوح المتزايد حول إنفاق البنية التحتية للذكاء الاصطناعي يعزّز التوقعات بمزيد من المكاسب.
لكن بلومبيرغ حذّرت من أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد تشكّل خطرًا على السوق، خاصة مع احتمال أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع التضخم مجددًا، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى التباطؤ في خفض أسعار الفائدة.
وختم التقرير بنقل تحذير فيبس من شركة Picton Mahoney الذي أشار إلى أن المستثمرين يواجهون “مخاطر مزدوجة” في السوق الأميركية، تتمثل في احتمال تصحيح الأسعار المرتفعة من جهة، وفقدان فرصة اللحاق بموجة الارتفاع القادمة من جهة أخرى، مضيفًا أن “هناك احتمالًا لتسارع النمو في الاقتصاد الأميركي ككل”.