رغم هبوط مؤشرها... نمو حصة الأجانب في الأسهم السعودية إلى 40% في أيلول

سجلت الأسهم السعودية اليوم أكبر انخفاض لها منذ أواخر أيلول/سبتمبر، بعد أن أعلنت هيئة السوق المالية تأجيل تطبيق إصلاحات رئيسية كانت ستسمح للمستثمرين الأجانب بامتلاك حصص أغلبية في الشركات المحلية، بحسب تقرير لوكالة بلومبيرغ. فقد تراجع مؤشر تداول العام (TASI) بنسبة 1% يوم الأحد، في ثاني جلسة من الخسائر المتتالية، وسط عمليات بيع واسعة شملت معظم القطاعات. وكان القطاع المصرفي من بين الأكثر تضررًا، مع تراجع أسهم مصرف الراجحي إلى أدنى مستوى لها في خمسة أسابيع.
ووفقًا لما نقلته بلومبيرغ، جاء هذا التراجع بعد أن كانت الأسواق قد بنت توقعاتها على قرب تحرير قواعد الملكية الأجنبية قبل نهاية عام 2025، وهو ما كان سيتيح للمستثمرين الدوليين امتلاك أكثر من 49% من أسهم الشركات السعودية المدرجة. إلا أن رئيس هيئة السوق المالية محمد القويز فاجأ المستثمرين حين أعلن يوم الخميس أن تحديث القواعد سيجري في عام 2026، موضحًا أن الهيئة لم تتخذ بعد قرارًا نهائيًا بشأن ما إذا كانت سترفع السقف تدريجيًا أم ستلغيه بالكامل.
وأشار القويز إلى أن المملكة ما تزال ملتزمة بمسار الانفتاح الاقتصادي وجذب رؤوس الأموال العالمية، غير أن تحديد الصيغة النهائية لهذه الإصلاحات يحتاج إلى "دراسة دقيقة لضمان التوازن بين جذب الاستثمارات وحماية المصالح الوطنية".
وأكد أن الخطوة جزء من مسار طويل يهدف إلى جعل السوق السعودية أكثر تنافسية وجاذبية ضمن رؤية المملكة 2030، بحسب بلومبيرغ.
تأتي هذه التطورات في وقت تمر فيه سوق الأسهم السعودية بمرحلة حساسة، إذ تسعى هيئة السوق المالية إلى تعزيز مكانة السوق ضمن أكبر 10 أسواق مالية عالمية من حيث القيمة، والتي تبلغ حاليًا نحو 2.6 تريليون دولار، وفقًا لتقديرات بلومبيرغ. وشهدت الهيئة خلال الأعوام الأخيرة سلسلة من الإصلاحات الجذرية، تضمنت فتح باب الاستثمار أمام جميع فئات المستثمرين الأجانب، وإطلاق إيصالات إيداع محلية للشركات الأجنبية الراغبة في التداول داخل المملكة، إلى جانب تطوير الإطار التنظيمي للإدراج المزدوج.
وفي حديثه لـبلومبيرغ، قال فادي عربيد، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة أموال كابيتال بارتنرز:
"القضية لم تعد تتعلق بما إذا كانت الإصلاحات ستحدث أم لا، بل متى وكيف سيتم تنفيذها. المستثمرون يبحثون الآن عن وضوح أكبر حول الجدول الزمني والآليات التنفيذية، خصوصًا أن الاتجاه العام لهيئة السوق واضح وطويل الأمد".
وأضاف عربيد أن ردّ فعل السوق كان "طبيعيًا ومؤقتًا" نتيجة "خيبة الأمل اللحظية"، مشيرًا إلى أن المستثمرين العالميين لا يزالون يرون في السعودية "فرصة طويلة الأمد"، بفضل الاستقرار الاقتصادي ومتانة البنية التحتية التشريعية.
وبحسب بيانات بلومبيرغ إنتليجنس، فإن مشتريات المستثمرين الأجانب في السوق السعودية ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 40% في أيلول/سبتمبر 2025، على الرغم من تباطؤ الطلب العام على الأسهم نتيجة انخفاض أسعار النفط وتقلبات الأسواق العالمية. ويرى المحللان نيكولاس فيليبس ودينيز بيسيروغلو في مذكرة تحليلية أن هذه الزيادة في الاستثمارات الأجنبية تؤكد ثقة الأسواق الدولية في الإصلاحات السعودية، متوقعَين أن تؤدي التغييرات التنظيمية المقبلة إلى رفع متوسط القيمة اليومية للتداولات وتحسين السيولة على المدى الطويل.
وأشار المحللان إلى أن السعودية أصبحت اليوم واحدة من القصص الإصلاحية الأكثر مراقبة في الأسواق الناشئة، إذ يتابع المستثمرون العالميون عن كثب خطواتها لتقليل الاعتماد على النفط وتنويع الاقتصاد من خلال جذب الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والخدمات المالية.
كما لفت التقرير إلى أن هيئة السوق المالية تسعى لتوسيع قاعدة المستثمرين الدوليين لتشمل الصناديق السيادية وشركات التأمين والبنوك العالمية، ما يعزز موقع تداول السعودية كمركز مالي إقليمي. وفي المقابل، تحاول الهيئة الموازنة بين تحرير السوق تدريجيًا وضمان استقرار الأسعار وحماية الشركات الوطنية من أي تقلبات مفاجئة ناجمة عن تدفقات رؤوس الأموال السريعة.
ويرى محللون أن التحدي الرئيسي أمام الهيئة يكمن في الحفاظ على وتيرة الإصلاحات دون الإخلال بتوازن السوق، خصوصًا مع استمرار التقلبات في أسعار النفط وتراجع الإنفاق الحكومي في بعض القطاعات. ومع ذلك، يؤكد المراقبون أن اتجاه الإصلاحات ثابت ولا عودة عنه، وأن تأجيلها إلى عام 2026 لا يعني التراجع عنها بل فقط إعادة ضبط للوتيرة التنفيذية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الاقتصادية المقبلة.