الأدب في زمن السوشال ميديا: كيف تغيّرت علاقتنا بالكتاب؟

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، لم تعد علاقة الإنسان بالكتاب كما كانت في السابق. فقد أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي ثورة في الطريقة التي نقرأ ونكتب بها، لتصبح الشاشات الحديثة بديلًا عن الورق التقليدي، ما غيّر ملامح الأدب وأساليب تلقيه لدى الأجيال الجديدة.
كان الكتاب في الماضي الرفيق الأبرز للإنسان الباحث عن المعرفة، ووسيلته للتأمل والتفكير والتثقيف الذاتي. أما اليوم، فقد تحوّل الأدب إلى محتوى رقمي يُقرأ عبر الهواتف والأجهزة اللوحية، وأصبحت المنصات الإلكترونية مثل تويتر وإنستغرام وتيك توك فضاءً جديدًا للكتّاب والقرّاء على حدٍّ سواء. هذا التحول أتاح وصول الأدب إلى جمهورٍ أوسع من أي وقتٍ مضى، وجعل مشاركة النصوص والخواطر والروايات أكثر سرعة وسهولة.
لكنّ هذا الانتشار الواسع لم يخلُ من سلبيات. فقد فقد الأدب شيئًا من عمقه ووقاره التقليدي، إذ بات كثير من الكتّاب يركّزون على الانتشار السريع وعدد الإعجابات بدل القيمة الفنية والفكرية. كما أن القارئ الرقمي أصبح يميل إلى النصوص القصيرة والمقتطفات السريعة، متخليًا عن الصبر الذي تتطلبه قراءة الروايات الطويلة أو الأعمال الكلاسيكية.
ويرى خبراء الأدب أن ما يُعرف اليوم بـ "الأدب الرقمي" يمثل سيفًا ذا حدين؛ فهو من جهةٍ فتح الباب أمام المواهب الشابة التي لم تكن تجد فرصة للنشر في القنوات التقليدية، ومن جهة أخرى أضعف معايير الجودة الأدبية بسبب غياب الرقابة النقدية وتراجع الاهتمام بالأسلوب واللغة.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار الدور الإيجابي الذي لعبته المنصات الرقمية في إحياء الاهتمام بالأدب، خصوصًا بين فئة الشباب. فقد أعادت النقاش الأدبي إلى الحياة اليومية، ووفّرت مساحة للتفاعل المباشر بين الكاتب والقارئ، كما ساهمت في نشر الأدب العربي والعالمي على نطاقٍ غير مسبوق.
وبين الكتاب الورقي والنص الرقمي، وبين التأمل الهادئ وسرعة النشر، تبقى الكلمة هي الرابط الأصيل بين الماضي والمستقبل. فالأدب، رغم كل التحولات التقنية، ما زال يحمل رسالته الإنسانية الأسمى: أن يُعبّر عن الإنسان ويمنحه القدرة على فهم ذاته والعالم من حوله.