Contact Us
عقارات

بين التحفيز والمخاطر: كيف تغيّر القروض العقارية خريطة الأسعار السكنية؟

.

تُعدّ أسعار الفائدة على القروض العقارية أحد أبرز العوامل المحددة لحركة سوق المساكن، إذ تؤثر مباشرة على قرارات الشراء والتمويل لدى الأفراد. فوفقًا لدراسة أجراها Adelino, Schoar & Severino (2009)، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تراجع الطلب على المساكن بسبب زيادة كلفة التمويل الشهري، في حين يشجع انخفاض الفائدة على الشراء ويؤدي غالبًا إلى ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الإقبال. هذا التفاعل يجعل السياسة النقدية أداة رئيسية في ضبط ديناميكية السوق العقاري.

ومن جهة أخرى، أوضح تقرير صادر عن Federal Reserve Bank of Dallas (2024) أن التسهيلات التمويلية، مثل القروض طويلة الأجل أو الخيارات ذات الفائدة الثابتة، تساعد على تحفيز الطلب العقاري، خصوصًا بين فئات الدخل المتوسط. وبيّن التقرير أن برامج القروض منخفضة الفائدة أدت إلى زيادة في المبيعات العقارية بنسبة ملحوظة خلال السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة، ما يؤكد العلاقة المباشرة بين سهولة التمويل ونمو السوق السكني.

أما على الصعيد التنظيمي، فيُظهر تقرير Consumer Financial Protection Bureau (2023) أن دعم الحكومة لبرامج الإقراض العقاري وتخفيف القيود على الإقتراض يؤديان إلى توسيع قاعدة المشترين المحتملين، وبالتالي تنشيط حركة البناء والبيع في السوق. غير أن التقرير ذاته حذّر من أن الإفراط في هذه التسهيلات قد يزيد من المخاطر المالية، خصوصًا في حال تراكم قروض عالية المخاطر أو زيادة التعثر في السداد.

وتشير دراسة منشورة في مجلة MDPI (2024) إلى أن التوسع غير المنضبط في التمويل العقاري قد يخلق “فقاعات سعرية” في سوق المساكن، حيث ترتفع الأسعار بشكل غير مبرر مدفوعًا بالإقراض المفرط، ما يجعل السوق أكثر عرضة للإنكماش في حال ارتفاع الفائدة أو تباطؤ النمو الإقتصادي. وتدعم هذه النتيجة دراسة أخرى في Journal of European Real Estate Research (2016)، التي أوضحت أن الأسواق الأوروبية التي اعتمدت تمويلًا مفرطًا شهدت تقلبات حادة في الأسعار بعد تعديل السياسات النقدية.

وفي أوروبا، أفاد تقرير صادر عن European Central Bank (2025) بأن التمويل العقاري يشكل محركًا أساسيًا لأسعار المساكن، إذ تسهم أسعار الفائدة المنخفضة في رفع الطلب وتغذية ارتفاع الأسعار، بينما تؤدي زيادتها إلى تباطؤ السوق وتراجع السيولة العقارية. وتبرز هذه الظاهرة بوضوح في دول مثل ألمانيا وهولندا، حيث أدى تشديد شروط الإقراض إلى استقرار الأسعار بعد فترات من الارتفاع السريع.

أما في الولايات المتحدة، فقد رصدت صحيفة Financial Times (2023) ظاهرة “Mortgage Lock-In”، حيث يحتفظ عدد كبير من المقترضين بقروض طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة تم الحصول عليها قبل دورة التشديد النقدي. هذا الأمر قلّل من حركة التنقل في السوق، إذ يتردد أصحاب المنازل في بيع عقاراتهم واستبدالها بقروض جديدة ذات فائدة مرتفعة، ما أدى إلى انخفاض في المعروض السكني رغم ثبات الطلب.

وبحسب تقرير Harvard Joint Center for Housing Studies (2025)، فإن التمويل العقاري يمكن أن يكون أداة لتحقيق استقرار السوق إذا ما تمت إدارته بحذر، من خلال سياسات رقابية توازن بين تسهيل الإقراض ومنع التضخم في الأسعار. وأشار التقرير إلى أن التوازن بين السياسات النقدية والائتمانية يشكّل مفتاحًا أساسيًا للحفاظ على سوق إسكان مستدام ومستقر.

إجمالًا، يُظهر تحليل مختلف المصادر أن التمويل العقاري يلعب دورًا مزدوجًا في الإقتصاد فهو محرّك رئيسي للنمو العقاري وزيادة الطلب على المساكن عندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، لكنه في الوقت نفسه قد يشكّل مصدرًا للمخاطر الاقتصادية إذا لم تُضبط شروط الإقراض بشكل متوازن (Adelino et al., 2009; ECB, 2025; MDPI, 2024).