العودة إلى الواجهة: لبنان يفتح أبواب الاستثمار العقاري والمبادرات الإسكانية الاستراتيجية





المشاركون خلال المنتدى العقاري الثالث-بيروت. (إقتصادي.كوم)
انعقد المنتدى العقاري الثالث في لبنان في الثامن والعشرين من تشرين الأوّل عام 2025 في فندق فينيسيا – بيروت، برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء نواف سلام، وتنظيم نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان (REAL)، تحت عنوان «عودة لبنان إلى الواجهة: فرص استثمارية واعدة ومبادرات إسكانية استراتيجية». وقد جاء هذا الحدث في مرحلة دقيقة من تاريخ لبنان، مع بداية مسار جديد نحو الاستقرار السياسي والإصلاح الاقتصادي والإداري، وإعادة بناء الثقة بالبلاد واستقطاب الاستثمارات المحلية والدولية.
شارك في المنتدى عدد من الوزراء والنواب والخبراء الاقتصاديين والمصرفيين ورؤساء النقابات والمؤسسات الاستثمارية، من بينهم وزير المالية ياسين جابر، ووزير الدولة للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، ووزير التنمية الإدارية فادي مكي، والمدير العام لوزارة الاقتصاد الدكتور محمد أبو حيدر، ورئيس نقابة الوسطاء العقاريين وليد موسى، بالإضافة إلى كلٍّ من عارف حجريس رئيس جمعية مطوري العقار في البحرين، ونديم ضاهر الخبير في التدقيق والاستشارات، وأحمد ممتاز الأمين العام لجمعية مطوري العقار اللبنانية.
في كلمته، أكّد الأستاذ أحمد ممتاز أنّ القطاع العقاري يشهد تحسنًا نسبيًّا، إلا أنّ العوائق الإدارية والقانونية ما زالت تُعيق مسار الإصلاح الكامل، مشددًا على أنّ إعادة الثقة للمستثمرين هي الركيزة الأساسية للنهوض بالقطاع. ودعا إلى تبسيط وتسهيل إجراءات الترخيص العقاري في لبنان، مؤكدًا أنّ الوقت قد حان للانتقال إلى الإدارة الذاتية الإلكترونية التي من شأنها تقليص معدلات الفساد وتسريع المعاملات. كما اقترح إنشاء محكمة عقارية متخصصة للنظر في النزاعات العقارية المتراكمة منذ سنوات، ومعالجة القروض العالقة في المحاكم التي تؤثر سلبًا على الاستقرار المالي والاقتصادي. وأوصى بتخفيض الرسوم والضرائب المفروضة على عمليات البناء والاستثمار العقاري، وإصدار قروض تسوية ضريبية لدعم القطاع.
وفي الإطار نفسه، شدّد المحاورون على ضرورة تعزيز الاستثمار الخاص وتخفيض الكلف التشغيلية المرتفعة، فيما دعا عارف حجريس إلى تقديم تسهيلات للمستثمرين لتحفيزهم على ضخّ رؤوس أموال جديدة في السوق اللبنانية. من جانبه، أكّد الأستاذ نديم ضاهر أنّ الشفافية والعدالة هما الركيزتان الأساسيتان لأي عملية إصلاحية حقيقية، وأن إعادة بناء الثقة بين المصارف والمستثمرين تمثل الخطوة الأولى نحو إعادة تحريك الدورة الاقتصادية.
من ناحيته، أوضح المدير العام لوزارة الاقتصاد الدكتور محمد أبو حيدر أنّ مشكلة لبنان ليست في النمو فقط، بل في التضخّم المفرط الذي تمت مقارنته بأساليب خاطئة، مشيرًا إلى أنّ لبنان يستورد نحو 86% من حاجاته من الخارج، مما يجعل القدرة الشرائية للمواطنين عرضة للتراجع مع ارتفاع الأسعار. وأضاف أن ارتفاع تكلفة التأمين والاضطرابات الجيوسياسية والحروب القائمة بين الدول انعكست مباشرة على الأسعار، وخلقت فجوة كبيرة في مؤشّر تحرّك الأسعار.
أما الوزير كمال شحادة، فتحدّث عن التحديات التي تواجه وزارته في ظلّ نقص التشريعات التمويلية والمحفّزات الاقتصادية، مؤكّدًا أنّ الإنجازات تُبنى ضمن إمكانيات محدودة، وأن تحقيق الإصلاحات يتطلب شراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص.
وردًّا على سؤالٍ الإعلامي موريس متّى للوزير فادي مكي حول تنمية الإدارة العامة والشغور الإداري الكبير، أشارمكي إلى أنّ الوزارة تعمل على إعادة هيكلة الإدارة العامة واستقطاب كفاءات جديدة من الخارج، خصوصًا في مجالات التحوّل الرقمي والموارد البشرية. ولفت إلى أنّ الشغور الإداري وصل إلى أكثر من 80% في بعض الدوائر نتيجة الانهيار الاقتصادي، إلا أن العمل جارٍ على إعادة بناء الهيكلية الإدارية وفق أسس جديدة قوامها الشفافية والحوكمة والمنافسة العادلة.
بدوره، أكّد وزير المالية ياسين جابر أنّ المنتدى يشكّل محطة بارزة في مسار دعم الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار العقاري، مشيرًا إلى أنّ الحكومة اللبنانية تعمل على تحديث التشريعات العقارية والضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية وإطلاق التحول الرقمي الكامل في وزارة المالية بما يضمن الشفافية وسرعة إنجاز المعاملات. وأضاف أن «إعادة الثقة تبدأ من الاستقرار المالي والمؤسساتي»، مؤكدًا التزام الحكومة تعزيز الشفافية وضبط المالية العامة وتوسيع القاعدة الضريبية بعدالة لتمويل الخدمات العامة بشكل مستدام.
من جانبه، شدّد رئيس النقابة وليد موسى على أنّ القطاع العقاري هو مرآة لإصرار اللبناني على الحياة والإعمار، داعيًا إلى إصلاح مصرفي شامل يعيد الثقة ويحمي المودعين ويشجع المستثمرين، لافتًا إلى أنّ القطاع كان يشكّل نحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الأزمة، وأنه مرتبط بأكثر من 70 مهنة وقطاعًا اقتصاديًا. وأعلن موسى أنّ النقابة في مراحلها الأخيرة لإنشاء سجل رسمي للوسطاء العقاريين في وزارة الاقتصاد، وإطلاق ديبلوم عقاري شامل يجمع بين الجانب الأكاديمي والتطبيقي، بهدف رفع مستوى المهنة وتأهيل العاملين بالتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي والحضور الرقمي. كما دعا إلى خطة إسكانية وطنية تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع تقديم حوافز ضريبية للمغتربين والأجانب لجذب الاستثمارات.
أما نائب رئيس الهيئات الاقتصادية نبيل فهد، فأكّد أنّ التمويل هو عصب الاقتصاد، داعيًا إلى تفعيل القروض المصرفية المخصصة للمشاريع السكنية والتجارية والصناعية والسياحية، في حين شدّد المشاركون على أنّ التعافي العقاري ممكن لكنه مرهون بإعادة الثقة والاستقرارين السياسي والمالي، وبإطلاق إصلاحات نقدية ومصرفية حقيقية تعيد دورة التمويل إلى السوق وتنعش الحركة الاستثمارية.
واختُتم المنتدى بتكريم وزير المالية ياسين جابر بدرعٍ تقديرية، وتوزيع شهادات الديبلوم العقاري الصادر عن الجامعة اللبنانية – الأميركية (LAU) على الخريجين، في خطوة وُصفت بأنها نقلة نوعية نحو احتراف القطاع العقاري اللبناني.
لقد مثّل المنتدى العقاري الثالث في لبنان منصة حوار وطني واقتصادي جمعت بين المسؤولين والمستثمرين والخبراء، وأكد أن لبنان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من الإصلاح والنهوض، قائمة على الاستقرار السياسي، والتحوّل الرقمي، والإصلاح المالي والإداري، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بما يعيد الثقة بالاقتصاد الوطني ويفتح آفاقًا جديدة للتنمية المستدامة في البلاد.