Contact Us
Ektisadi.com
اقتصاد

أوروبا على أعتاب موجة إندماجات مصرفية.. الواقع أكثر تعقيدًا من طموحات بروكسل

27 أكتوبر 2025
freepik__create-a-modern-professional-vector-illustration-o__39413

بعد عام من تكهنات واسعة بإطلاق موجة ضخمة من الإندماجات المصرفية العابرة للحدود في أوروبا، اتضح أن المشهد أكثر تعقيداً مما روج له المصرفيون وصناع القرار في بروكسل. فمعظم عروض الإستحواذ التي أثارت ضجة كبيرة في العام الماضي تعثرت أو توقفت تماماً، فيما تمضي صفقات أخرى، غالباً ببركة الحكومات الوطنية، بعيداً عن تصورات “الإندماجات الكبرى” داخل الإتحاد الأوروبي.

محاولات UniCredit للإستحواذ على Commerzbank اصطدمت برفض برلين، كما سُحب عرض آخر لشراء Banco BPM بعد شروط فرضتها روما. أما BBVA فتمكّن من تجاوز إعتراض الحكومة الإسبانية على عرضه المقدر بـ16.3 مليار يورو (19 مليار دولار) لشراء Banco Sabadell، لكنه لم ينجح في إقناع المساهمين الذين إعتبروا العرض ضعيفاً.

في المقابل، صفقات أخرى غير متوقعة وجدت طريقها إلى التنفيذ، أبرزها إستحواذ Banca Monte dei Paschi di Siena على Mediobanca بدعم حكومي واضح. كما أن تحركات الحكومة الهولندية لتقليص حصتها في ABN Amro أعادت إشعال التكهنات حول صفقة محتملة تشمل جهات مثل KBC Group التي تُدرس خيارات قد تعيد BNP Paribas وDeutsche Bank إلى الساحة.

بدا أن موجة الإستحواذات انطلقت عندما كشفت BBVA العام الماضي عرضها لساباديل، بهدف موازنة إنكشافها الكبير على الأسواق الناشئة. إلا أن غياب دعم الحكومة والمساهمين أحبط الصفقة. لكن ذلك أدى إلى خطوة مضادة من ساباديل، فوافقت في يوليو على بيع وحدتها البريطانية TSB لمصرف Banco Santander. بدوره، يعيد سانتاندر ترتيب وجوده الدولي عبر بيع معظم أعماله في بولندا.

وفي إسبانيا، حاولت CaixaBank التوسع في البرتغال عبر السعي لشراء Novo Banco، غير أن الصفقة فشلت وأعادت النقاش القديم في لشبونة حول هيمنة مدريد على قطاعها المالي.

إيطاليا كانت الساحة الأكثر إشتعالاً بصفقات محتملة، بقيادة الرئيس التنفيذي لUniCredit أندريا أورسيل. عرضه العدائي العام الماضي لشراء Banco BPM، تزامناً مع خطط حكومية لإعادة تشكيل مجموعة مصرفية كبيرة للمنافسة، أشعل مجموعة من التحركات، كان أبرزها حصول مونتي باسكي أخيراً على حصة الأغلبية في Mediobanca بصفقة تتجاوز 17 مليار يورو، كانت تُعد مستحيلة سابقاً.

ويزيد من تعقيد المشهد وجود مساهمين نافذين مثل وريث إمبراطورية ديل فيكيو والملياردير كالطاجيروني اللذين عززا نفوذهما داخل Mediobanca وGenerali وشككا في شراكات إستراتيجية مع BPCE الفرنسية.

ورغم إنسحاب UniCredit من سعيه لشراء Banco BPM بسبب شروط حكومية خانقة، أكدت المحللة إليزابيث رودمان من Morningstar DBRS أنّ المصرف ما يزال “محور النشاط الأكبر” في إيطاليا وخارجها.

نجاحه الأكبر كان في اليونان عبر شراء حصة في Alpha Bank تمهيداً لدمج وحدتي المصرفين في رومانيا. واستقبلت أثينا ذلك بترحيب لأنها تسعى لخروج الدولة النهائي من البنوك التي تم إنقاذها.

أما في ألمانيا، فلا تزال الحكومة تقاوم فكرة فقدان Commerzbank كـ“بطل وطني”، بعد إنقاذه خلال الأزمة المالية. ورغم صفقات محدودة لCommerzbank وDeutsche Bank عقب فشل دمجهما قبل ست سنوات، تبقى الأبواب موصدة أمام عرض UniCredit حالياً على الأقل حتى 2027 وفقاً لأورسيل.

قيادة Commerzbank ممثلة بالرئيسة التنفيذية بيتينا أورلوب تصر على قدرة المصرف على النمو منفرداً، محذرة من خسائر الإيرادات بسبب تداخل العملاء مع UniCredit. الموقف ذاته لدى كريستيان زيفينغ في Deutsche Bank الذي يراهن على فرص نمو محلية مدعومة بخطط إنفاق حكومية على الدفاع والبنية التحتية.

غير أن الضغوط تتزايد في السوق الألمانية نتيجة تنافس آلاف المصارف التعاونية والادخارية، إضافة إلى دخول لاعبين عالميين مثل JPMorgan Chase، إلى جانب منافسة نظرائهم الفرنسيين مثل BNP Paribas.

المصارف الفرنسية تواجه واقعاً متبايناً. فبسبب القيود التنظيمية، لم تستفد كما ينبغي من ارتفاع أسعار الفائدة منذ ثلاث سنوات. Société Générale باع وحدات صغيرة لتعزيز رأس المال، لكنه يؤكد إنتهاء هذه المرحلة. أما BNP Paribas فيستثمر عوائده من بيع وحدة أمريكية لشراء أنشطة “مجاورة” للمصرفية مثل استحواذه على وحدة الإستثمار الخاصة بشركة AXA، سعياً لبناء لاعب كبير في إدارة الأصول بعيداً عن تقلبات أسعار الفائدة.

مصرف BPCE لقي ترحيباً بعد شرائه Novo Banco في حزيران/يونيو الماضي، بينما توسع Crédit Agricole في حصته بـBanco BPM الإيطالي إلى نحو 20%، ويدرس حالياً خيارات استراتيجية تشمل اندماجاً محتملاً مع عملياته في إيطاليا.

بعد عقد من تشجيع بريطانيا منافسة البنوك الناشئة للعمالقة التقليديين، بدأت المصارف الكبرى في استعادة زمام المبادرة. فقد إستحوذت Nationwide على Virgin Money لتصبح ثاني أكبر جهة إقراض للرهون العقارية والإدخار في البلاد. كما عززت HSBC وLloyds حضورها عبر شراء أصول من بنوك ناشئة ووحدات تابعة لشركات تجزئة.

وفي ظل تحذيرات من تشتيت الجهود، يؤكد مسؤولون في NatWest وBarclays أن أي صفقة جديدة يجب أن تحترم معايير صارمة لإستهلاك رأس المال وعدم تشتيت الإستراتيجية الأساسية.

ورغم إستمرار الحديث عن ضرورة إنشاء مصارف أوروبية عملاقة قادرة على منافسة وول ستريت، إلا أن إستكمال السوق المصرفية الموحدة في الاتحاد الأوروبي ما يزال متعثراً، ما يجعل معظم الصفقات محلية أو ضمن أسواق يكون فيها المشترون موجودين بالفعل.

ويختصر مدير صندوق الإستثمارات Fidelity International، توم آكرمانز، الوضع بقوله: “الانتظار دون تنفيذ صفقات منطقية قد يشكل مخاطرة أكبر من المخاطرة التي تحملها عمليات الاستحواذ العدائية نفسها.”

أوروبا على أعتاب موجة إندماجات مصرفية.. الواقع أكثر تعقيد... | Ektisadi.com | Ektisadi.com