Contact Us
اقتصاد

محصول الذرة الأميركي الأكبر في التاريخ... مكسب في الحقول وخسارة في الجيوب

freepik__a-realistic-editorial-illustration-of-a-vast-golde__28438

قبل أكثر من عشرين عامًا، ترك المزارع كايل ويندلاند دراسة الهندسة ليتبع خطى والده في زراعة الذرة في ولاية آيوا، في رحلة عنوانها الدَّين والمثابرة والإيمان بأنّ الأرض قادرة على منحه رزقًا كريمًا. أطلق على مزرعته اسم "كومباك فارم" (Comeback Farms)، في إشارة إلى عودة عائلته بعد أن كادت تخسر الأرض خلال أزمة المزارع في ثمانينيات القرن الماضي.

لكن هذا الصيف، ومع تفاقم الديون وركود الاقتصاد الزراعي، وجد ويندلاند نفسه يقود فريقًا في جولة بين حقول الغرب الأوسط الأميركي لتقدير حجم محصول الذرة الذي توقّعت إدارة الرئيس دونالد ترامب أن يكون الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة محصول وفير أدى إلى إبقاء الأسعار عند أدنى مستوياتها منذ سنوات.

أزمة وفرة... وخسائر تتزايد

تُظهر جولات المزارعين، مثل "جولة برُو فارمر" (Pro Farmer Crop Tour)، مدى التناقض في المشهد الزراعي الأميركي: الحقول مفعمة بالإنتاج، لكن الأسعار الهابطة تُغرق المزارعين في الخسائر. فالمحصول الوفير لا يعني الأرباح، بل تراجع الأسعار وتزايد الديون.

وفقًا لتقديرات جامعة آيوا الحكومية، يحتاج مزارعو الذرة الذين يستأجرون الأراضي إلى 4.58 دولارات للكيلوغرام الواحد لتحقيق التعادل، بينما بلغ السعر النقدي في آب/ أغسطس 3.89 دولارات فقط.

وقالت "رويترز" إن جولة Pro Farmer، التي تُعد من أهم المؤشرات على صحة المحاصيل في الولايات المتحدة، أظهرت أن موسم 2025 سيكون الأكبر منذ عام 1866، مع إنتاجٍ يُقدّر بنحو 16.8 مليار بوشل من الذرة ما يكفي لملء كل صوامع البلاد وإطعام الماشية لستة أشهر كاملة.

تشكيك في بيانات الحكومة

أثارت هذه الأرقام جدلًا واسعًا بين المزارعين، خاصة بعد أن قام ترامب بتقليص موظفي وزارة الزراعة الأميركية (USDA) بنسبة 15%، ما دفع كثيرين للتشكيك في دقة البيانات الرسمية.
فقد غادر أكثر من 15 ألف موظف من الوزارة بعد عروض مالية لتسوية الخدمة، فيما أُزيلت بعض البيانات المناخية من المواقع الحكومية، وتوقفت تقارير رئيسية عن التجارة والإنتاج.

من جهتها، أكدت الوزارة أن هذه التغييرات لم تؤثر على دقة بياناتها، وأنها تراجع تقاريرها لتحسين الكفاءة وترشيد الإنفاق. لكن محللين في الأسواق الزراعية رأوا أن غياب الشفافية قد يؤثر على ثقة الأسواق والقدرة على التنبؤ بأسعار السلع الزراعية.

المزارعون بين العجز والأمل

مع استمرار انخفاض الأسعار وارتفاع التكاليف، يواجه المزارعون عامهم الثالث من الخسائر المتتالية.
تجاوزت ديون القطاع الزراعي 600 مليار دولار هذا العام، في ظل تشديد المصارف الزراعية شروط الإقراض.
وقال ويندلاند: "الناس هنا يبحثون عن الأمل... لكن عندما يكون المحصول وفيرًا إلى هذا الحد، يصبح الوفرة نقمة لا نعمة."

بيانات مثيرة للجدل

توقّفت وزارة الزراعة عن جمع عينات ميدانية للذرة وفول الصويا منذ العام الأول لولاية ترامب، معتمدةً على الأقمار الصناعية واستطلاعات المزارعين بدلًا من المسح المباشر. ومع تراجع عدد المشاركين في الاستطلاعات بنسبة 27%، باتت الشكوك تتزايد حول مدى دقة التقديرات.

كما ألغت الوزارة عدة تقارير أساسية مثل مسح العمالة الزراعية الذي يُستخدم لتحديد أجور العمال الأجانب بنظام H-2A، ومسح الأمن الغذائي للأسر الأميركية الذي كان مرجعًا رئيسيًا لقياس معدلات الجوع.

في المقابل، أعادت إدارة الرئيس جو بايدن لاحقًا نشر بعض التقارير بعد تخصيص ميزانيات جديدة لها.

وفرة مكلفة وقلق مستمر

على الرغم من الجدل، أظهرت بيانات وزارة الزراعة في أيلول/ سبتمبر أن المزارعين زرعوا أكبر مساحة ذرة منذ الكساد الكبير، ما أكد التوقعات بإنتاج قياسي جديد.
لكن خلف هذا النجاح الظاهري، يخشى المزارعون أن الوفرة المفرطة ستدمر قدرتهم على الصمود اقتصاديًا، في وقتٍ أصبحت فيه الأسواق العالمية متخمة بالحبوب، والصادرات إلى الصين متوقفة، والأسعار لا تغطي حتى كلفة الزراعة.

شارك المقال