لبنان الحائر بين طموحه السياحي وخرابه الاقتصادي

يشكّل قطاع السياحة والسفر أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد اللبناني منذ عقود، إذ كان يساهم قبل الأزمات الأخيرة بنسبة قاربت 19% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018 بحسب تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة (WTTC)، كما وفّر أكثر من 340 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في البلاد. هذا القطاع الذي لطالما عُرف بأنه “النفط اللبناني” تضرّر بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية والانهيار المالي وتراجع الثقة العالمية بلبنان كوجهة آمنة وجاذبة.
وفق بيانات وزارة السياحة اللبنانية المنشورة في تقريرها السنوي لعام 2024، تراجع عدد الزوار الأجانب إلى نحو 1.13 مليون سائح فقط مقارنة بـ 1.67 مليون في عام 2023، أي بانخفاض يقارب 32%. وأشارت الوزارة إلى أن معظم الوافدين جاءوا من الدول العربية، ولا سيّما العراق والأردن ومصر، بينما شهدت أعداد القادمين من أوروبا انخفاضاً ملحوظاً نتيجة الوضع الأمني المتقلب. كما بيّنت تقارير المديرية العامة للطيران المدني أن حركة الطيران في مطار بيروت الدولي تراجعت بنسبة 16% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما يعكس أثر الأزمة على حجم السفر والسياحة.
من الناحية الاقتصادية، يوضح تقرير البنك الدولي الصادر في حزيران 2024 أن خسائر لبنان من تراجع القطاع السياحي تجاوزت مليار دولار سنوياً، في حين كان هذا القطاع يدرّ أكثر من 7 مليارات دولار في عام 2010 قبل الأزمة. وأشار البنك في تحليله إلى أن السياحة تمثل عنصراً رئيسياً في استقطاب العملات الأجنبية وتحريك الأسواق الداخلية، وأن انكماشها العميق زاد من ضعف القدرة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً في المناطق الجبلية والساحلية التي تعتمد على الموسم السياحي.
من جانب آخر، أوضح تقرير صادر عن موقع Trading Economics في تموز 2024 أن مساهمة السياحة في الناتج المحلي اللبناني انخفضت إلى أقل من 10%، بعدما كانت تتجاوز 20% قبل عام 2019، مشيراً إلى أن لبنان لا يزال يملك فرصاً للنهوض بفضل طبيعته المتنوعة وموقعه الجغرافي القريب من أوروبا والعالم العربي، شريطة تحسّن الاستقرار المالي والسياسي. كما أظهر تقرير لمنظمة السياحة العالمية (UNWTO) أن لبنان خسر ما يقارب 1.5 مليون زائر محتمل في عام 2024 بسبب الصورة السلبية في الإعلام الدولي والتوترات الحدودية.
تضاف إلى ذلك آثار النزاعات الإقليمية الأخيرة التي انعكست سلباً على القطاع، إذ ذكرت دراسة البنك الدولي حول تقييم الأضرار والحاجات في لبنان (آذار 2024) أن الأضرار المادية للبنية التحتية السياحية – من فنادق ومطاعم ومنتجعات – بلغت نحو 400 مليون دولار، كما توقعت أن تحتاج البلاد إلى 3 إلى 5 سنوات على الأقل لاستعادة أرقام السياحة السابقة في حال تبنّي إصلاحات فعلية.
ورغم هذه الصورة القاتمة، ما زال لبنان يحتفظ بإمكانات كبيرة في السياحة المستدامة والثقافية، إذ يؤكد تقرير معهد ماكينزي للاستشارات لعام 2024 أن تطوير السياحة الريفية والبيئية يمكن أن يدرّ ما يقارب 1.2 مليار دولار سنوياً إذا تم استثمارها ضمن خطة وطنية متكاملة تشمل تحسين النقل، وتدريب اليد العاملة، وتفعيل الشراكات مع المغتربين اللبنانيين في الخارج. كما أوصت وزارة الاقتصاد اللبنانية في استراتيجيتها لعام 2025 بإطلاق حملة “Visit Lebanon Again” الهادفة إلى إعادة ثقة الزوار العرب والأجانب عبر التركيز على السياحة التراثية والمهرجانات الثقافية.
في الخلاصة، يظهر من كل هذه المعطيات أن السياحة اللبنانية ليست في حالة موت بل في مرحلة كمون اقتصادي مؤقت بانتظار استقرار سياسي ومالي حقيقي. ووفق تقدير المجلس العالمي للسفر والسياحة لعام 2025، يمكن أن ينمو القطاع بنسبة 8% سنوياً إذا تحقق الاستقرار وتم تأمين حوافز استثمارية جديدة. ومن هنا، فإن استعادة لبنان لمكانته كوجهة سياحية في الشرق الأوسط لم تعد خياراً ترفيهياً بل ضرورة اقتصادية ملحّة قد تشكل ركيزة لإعادة النهوض الشامل للبلاد.