Contact Us
صحة وغذاء

بالوقائع والأرقام... النظام الغذائي العالمي مهدّد

9498D749-1E39-4FE6-A94B-74862B2F07F1

يمثل الغذاء قطاعاً اقتصادياً واجتماعياً جوهرياً يشكل أساساً للرخاء والاستقرار في المجتمعات الحديثة. تشير بيانات الفاو إلى أن إنتاج المحاصيل الزراعية على الصعيد العالمي كان لا بدّ له أن يرتفع بنسبة تبلغ حوالي 47% بين عامي 2011 و2050 لتلبية احتياجات نحو 9.7 مليارhj نسمة تحت سيناريو متوسط النمو السكاني.  كما تقدر أبحاث مستقلة أن نظام الغذاء والزراعة العالمي يشكل أكثر من 10% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وقد تجاوزت قيمته التقديرية الإجمالية في بعض الدراسات ما يقارب 12 تريليون دولار.

من الناحية الاقتصادية المحلية، تكشف بيانات وزارة الزراعة الأميركية عن أن قطاع الزراعة والأغذية والصناعات المرتبطة بها ساهم بنسبة 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في عام 2023، كما وفّر نحو 10.4% من إجمالي العمالة في البلاد.  هذه الأرقام تُبرز مقدار الأهمية التي يكتسيها الغذاء ليس فقط من ناحية الأمن الغذائي بل من ناحية الوظائف والاقتصاد الوطني أيضاً.

على مستوى الأسواق الغذائية، بلغت قيمة سوق التجزئة العالمي للأغذية والبقالة نحو 11.9325 تريليون دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 14.7811 تريليون دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركّب يُقدّر بنحو 3.2%.  كذلك، بلغت قيمة سوق خدمات الطعام العالمية نحو 3.09966 تريليون دولار في عام 2023، مع توقع وصولها إلى نحو 3.78747 تريليون دولار بحلول 2030.

ومع ذلك فإن هذه الفرص الاقتصادية الضخمة تواجه تحديات جوهرية تتعلق بالأمن الغذائي والنظام الغذائي العالمي. فبحسب التقرير العالمي عن أزمات الغذاء (Global Report on Food Crises (GRFC) 2024)، فقد واجه نحو 282 مليون شخص أو ما يعادل 21.5% من السكان المشمولين بالتحليل في 59 بلداً مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2023.  وتوضح بيانات البنك الدولي أن التقدم نحو القضاء على الجوع ما زال هشاً وغير متساوٍ بين الأقاليم، إذ أن التضخم في أسعار الغذاء والصدَمَات المناخية وغيرها جعلت من الهدف المقرر لعام 2030 هدفاً صعب التحقيق.

إن التناقض بين الإمكانات الاقتصادية لنظام الغذاء العالمي والاختلالات في توزيع الغذاء وتوفير الحاجات الأساسية يظهر في أبعاد عدة. أولاً، يعتمد حوالي نصف قوة العمل العالمية، أي نحو 1.3 مليار شخص، على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، ويعيش نحو 2.6 مليار من الأفراد على الزراعة كمصدر معيشي أساسي.  ثانياً، يتنامى الطلب على الغذاء مع تحسّن الدخل وتحول أنماط الاستهلاك، حيث تميل الأسر إلى زيادة إنفاقها على المنتجات ذات القيمة الغذائية الأعلى، مثل اللحوم ومنتجات الألبان والفواكه والخضراوات، مقارنة بالسلع الأساسية .  ثالثاً، فإن الهدر الكبير في النظام الغذائي – من الإنتاج إلى التجزئة والاستهلاك – يضيف أعباء اقتصادية وبيئية ضخمة، ويُضعف الجهود الرامية لتحقيق التنمية المستدامة.

من ثمّ يمكن القول إن الطعام ليس مجرد سلعة استهلاكية بل محرّك اقتصادي واجتماعي وسياسي، إذ إن الاستثمارات في الإنتاج واللوجستيات والتوزيع والأسواق العالمية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة على تحقيق الأمن الغذائي والنمو الاقتصادي. ولذا، فإن تعزيز كفاءة النظام الغذائي والتحوّل إلى نماذج أكثر استدامة أمرٌ جوهري. يتطلب ذلك رفع إنتاجية الزراعة، تحسين إدارة سلاسل الإمداد، الحد من الهدر، وضمان وصول الأغذية بأسعار معقولة للفئات الضعيفة. كما يستلزم الأمر سياسات تستشرف التغيرات الديموغرافية وتحوّلات الطلب، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد البيئية والمناخية التي باتت تشكل عامل قلق مركزي في الأمن الغذائي.

وهكذا يتبيّن أن الغذاء يمثل قطاعاً اقتصادياً ضخماً وفرصة تنموية هائلة، غير أنه أيضاً يعكس تحديات بنيوية وآفاقاً تحتاج إلى مبادرات متكاملة على المستوى الوطني والدولي لضمان أن يترجم هذا القطاع إمكاناته إلى رفاهٍ شامل ومستدام.

شارك المقال