Contact Us
سيارات

التحوّل الكهربائي: شرارة الثورة الاقتصادية في صناعة السيارات العالمية

97A54D77-9EC9-4EE5-A784-2E617E326219

يشهد عالم السيارات في السنوات الأخيرة تحوّلاً جذريّاً غير مسبوق يعيد رسم ملامح الاقتصاد الصناعي العالمي، حيث أصبحت التكنولوجيا والطاقة النظيفة عاملين حاسمين في صياغة مستقبل هذه الصناعة. فبحسب وكالة الطاقة الدولية (IEA)، تجاوزت مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم 17 مليون سيارة عام 2024، بزيادة تفوق 25% عن العام السابق، ما يجعل المركبات الكهربائية تشكّل ما يقارب ربع إجمالي مبيعات السيارات الجديدة عالميّاً (تقرير Global EV Outlook 2025 الصادر عن وكالة الطاقة الدولية). هذا التحوّل لم يكن مجرّد طفرة تكنولوجية، بل انعكاس مباشر لتغيّر أولويات الاقتصاد العالمي نحو الاستدامة والإبتكار.

من الناحية الاقتصادية، تُقدّر قيمة السوق العالمي لصناعة السيارات التقليدية بنحو 3.6 تريليونات دولار في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى 6.9 تريليونات دولار بحلول عام 2033، وفقًا لتقرير صادر عن منصة G2 Learn Hub في منتصف عام 2024، ما يعكس ضخامة هذا القطاع وقدرته على توليد الوظائف والاستثمارات، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن تحديات كبيرة تواجه المصنعين في التكيّف مع التحوّل الكهربي وتغيّر سلاسل التوريد.

أما من حيث الإنتاج، فقد سجّلت بيانات الرابطة الأوروبية لمصنّعي السيارات (ACEA) أن حجم الإنتاج العالمي بلغ 75.5 مليون سيارة عام 2024، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أنّه يخفي وراءه تحولاً هيكلياً في طبيعة الإنتاج نفسها، إذ تراجعت نسبة السيارات التي تعمل بالوقود التقليدي مقابل صعود متسارع في إنتاج السيارات الكهربائية والهجينة (تقرير Economic and Market Report 2024 الصادر عن ACEA).

وفيما يتعلّق بسوق المورّدين العالميين لمكوّنات السيارات، أظهر تقرير Lazard Automotive Supplier Study 2025 أنّ هامش الأرباح المتوقّع في هذا القطاع انخفض إلى 4.7% فقط في عام 2024 بسبب ارتفاع كلفة البرمجيات والمكوّنات الرقمية وتنامي المنافسة الصينية في إنتاج البطاريات والأنظمة الذكية، وهو ما يضغط على الشركات الأوروبية والأميركية للبحث عن نماذج إنتاج أكثر كفاءة وربحية.

أما على صعيد الحصص السوقية للمركبات الكهربائية، فتتوقّع وكالة الطاقة الدولية أن تصل إلى أكثر من 25% من المبيعات العالمية بحلول نهاية عام 2025، مع احتمال أن ترتفع النسبة إلى 40% بحلول عام 2030. وتُظهر البيانات أن الصين تسيطر على الجزء الأكبر من هذا السوق، تليها أوروبا ثم الولايات المتحدة. ففي الولايات المتحدة مثلاً، بلغت حصة السيارات الكهربائية 8.1% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة عام 2024 مقارنة بـ 7.3% في عام 2023 وفقًا لتقرير صادر عن منصة CarEdge الأمريكية، وهو ارتفاع متدرّج يشير إلى توسّع ثقة المستهلكين بالبنية التحتية للشحن وجودة المنتجات.

كما أكّد تقرير Deloitte Global Automotive Consumer Study 2025 أن سلوك المستهلكين يشهد تحوّلاً نوعيّاً، إذ أصبح التركيز على البرمجيات والإتصال الذكي داخل المركبة لا يقل أهمية عن الأداء الميكانيكي، كما أنّ نسبة متزايدة من الشباب تفضّل مفهوم “السيارة كخدمة” بدلاً من الملكية الدائمة، ما يعيد تشكيل نموذج العمل في الصناعة ويزيد الطلب على المنصّات الرقمية وخدمات الاشتراك الشهري.

وفي البعد الجغرافي، تظهر الصين كقوّة اقتصادية مسيطرة في هذا التحوّل، إذ تُنتج اليوم أكثر من 60% من البطاريات الليثيوم أيون المستخدمة في السيارات الكهربائية عالميّاً وفقًا لتقرير BloombergNEF لعام 2024، كما تستثمر بكثافة في سلاسل توريد المعادن النادرة اللازمة لتصنيعها. هذا الواقع يضع الدول الأوروبية أمام تحدٍ استراتيجي لتعزيز استقلالها الصناعي والطاقوي في مواجهة التمدد الآسيوي.

اقتصادياً، لا تقتصر آثار الثورة الكهربائية على حجم المبيعات فقط، بل تمتد إلى إعادة تشكيل سلاسل القيمة وخلق صناعات جديدة مصاحبة في مجالات البرمجيات والطاقة المتجددة والتصميم الرقمي. وتشير تقديرات دراسة McKinsey Automotive 2025 إلى أنّ القيمة الإجمالية المضافة الناتجة عن التحوّل نحو السيارات الكهربائية والمتصلة قد تتجاوز 400 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، مدفوعة بالابتكارات في البطاريات، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا القيادة الذاتية.

وفي الختام، يمكن القول إن التحوّل الكهربي في صناعة السيارات ليس مجرّد تغيير في نوع الوقود، بل هو ثورة اقتصادية شاملة تعيد توزيع الثروة والتكنولوجيا حول العالم. فالشركات التي تدرك مبكراً أن السيارة المستقبلية هي منصة رقمية متحركة وليست آلة ميكانيكية فحسب، ستكون الرابح الأكبر في العقد القادم، أما تلك التي تتأخر في التكيّف مع هذه الموجة فستجد نفسها خارج مضمار المنافسة في إقتصاد السيارات الجديد.

شارك المقال