صراع بين تجار النفط يزعزع تجارة روسيا ويهدد إيراداتها النفطية

يشهد قطاع النفط الروسي أزمة داخلية غير مسبوقة، حيث أدى صراع بين كبار تجار النفط إلى تهديد أحد أهم مصادر تمويل الكرملين لحربه في أوكرانيا، في ظل تشديد الولايات المتحدة العقوبات على موسكو.
يدور النزاع بين رجل الأعمال الباكستاني مرتضى لاخاني ومنافسيه الأذريين إيتبار أيوب وطاهر غاراييف، الذين يتولون نقل الجزء الأكبر من صادرات شركة روسنفت الحكومية. وقد تبادل الطرفان الاتهامات بمحاولة فضح ارتباطات بعضهما بروسيا بهدف دفع الغرب لفرض عقوبات جديدة، مما تسبب بخسائر بمليارات الدولارات للشركة والدولة الروسية نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وانخفاض الأسعار، ووصل الخلاف إلى مكتب الرئيس التنفيذي إيغور سيتشين.
تفاقمت الأزمة بعد أن فرضت واشنطن للمرة الأولى عقوبات مباشرة على روسنفت، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط الروسي بنسبة 20% منذ يناير وهبطت أرباح الشركة بنحو 68% في النصف الأول من العام. ومع هذه التحديات، يجد فلاديمير بوتين نفسه أمام أزمة مالية جديدة تهدد أسطول ناقلات النفط الذي يتجاوز العقوبات الغربية.
يمتد هذا الصراع إلى دبي وهونغ كونغ وسنغافورة، ووصل إلى واشنطن والإعلام الروسي، حيث حاول كل طرف تشويه صورة الآخر من خلال تسريبات وحملات ضغط تهدف إلى تحريك العقوبات. وأشارت التقارير إلى أن شركة كورال إنرجي التابعة لغاراييف استعانت بشركة ضغط أميركية العام الماضي لإبلاغ المسؤولين في واشنطن وأوروبا بأنشطة منافسيها، في حين قام لاخاني بخطوات مماثلة لتسليط الضوء على أنشطة الأذريين.
تسببت هذه الحرب الخفية في فرض عقوبات أوروبية وبريطانية على شبكة التجار الأذريين منذ عام 2024، ما أدى إلى صعوبات تشغيلية كبيرة وارتفاع تكاليف التأمين والنقل وانخفاض الأسعار، وأثر سلبًا على إيرادات روسنفت. وأكد خبراء أن الكلفة الإجمالية على الشركة والدولة الروسية بلغت مليارات الدولارات.
بحسب خبيرة الطاقة تاتيانا ميتروفا من جامعة كولومبيا، فإن هذه النزاعات “تكشف هشاشة النظام الروسي للالتفاف على العقوبات، إذ يعتمد الكرملين على مجموعة صغيرة من الوسطاء الغامضين لتحريك صادراته النفطية وجمع العملة الصعبة، وعندما يتصارعون، تهتز مليارات الدولارات من الإيرادات”.
منذ غزو أوكرانيا في عام 2022، أوكلت إلى لاخاني مهمة إدارة تجارة النفط الروسي عبر شبكة من الشركات التي أنشئت في الإمارات لتأمين التصدير إلى الصين والهند، قبل أن يبرز منافساه الأذريان أيوب وغاراييف عام 2024 بشبكة شركات جديدة مثل 2Rivers التي سيطرت على القسم الأكبر من صادرات روسنفت. لكن نجاحهما السريع جر عليهما العقوبات الأوروبية، بعدما أشارت الوكالة الوطنية البريطانية لمكافحة الجريمة إلى أن شبكتهما تعاملت مع “أكبر كمية من النفط الروسي في عام 2024”.
وفي عام 2025، عاد لاخاني بقوة إلى الساحة من دبي مستعيدًا نفوذه، بينما نقل الأذريون عملياتهم خارج الخليج. وقد ظهر في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في يونيو، في مؤشر على عودته إلى دوائر التأثير الاقتصادي في روسيا.
عودة لاخاني أثارت غضب منافسيه الأذريين الذين ضاقوا ذرعًا ببقائه خارج دائرة العقوبات، فصعّدوا هجماتهم الإعلامية ضده، ما زاد من تعقيد الأزمة بالنسبة إلى سيتشين. وهكذا تحول نظام الوسطاء الذي كان يُفترض أن يمنح روسنفت سيطرة أكبر إلى نقطة ضعف خطيرة، إذ يعتمد الآن على تجار يسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة أكثر من ضمان استمرار تدفق النفط الروسي، في تهديد مباشر لأحد أهم مصادر تمويل الكرملين.