Contact Us
صحة وغذاء

السمنة الإقتصادية: تكلفة الأمراض المرتبطة بالوزن الزائد على الإقتصادات العربية

Gemini_Generated_Image_thy0vdthy0vdthy0

تشهد الدول العربية في السنوات الأخيرة إرتفاعًا متسارعًا في معدلات السمنة بين مختلف الفئات العمرية، في ظاهرة مقلقة أكّدتها منظمة الصحة العالمية (WHO) في تقريرها الصادر في نيسان/أبريل 2025، والذي أشار إلى أن ما يزيد على 60%  من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعانون من زيادة في الوزن، بينما تتجاوز معدلات السمنة 30%  في بعض دول الخليج مثل السعودية والكويت وقطر. وتُعد هذه الأرقام من بين الأعلى عالميًا، ما يجعل السمنة مشكلة صحية عامة ذات أبعاد إقتصادية وإجتماعية خطيرة في المنطقة.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي (World Bank, 2024) حول "عبء الأمراض غير المعدية في المنطقة العربية"، فإن السمنة تمثل أحد أهم العوامل المسببة لأمراض القلب والسكري وإرتفاع ضغط الدم، وتكلف الحكومات العربية مليارات الدولارات سنويًا نتيجة الإنفاق على الرعاية الصحية وفقدان الإنتاجية.

أشار التقرير أيضًا إلى أن معدلات السمنة بين النساء في العالم العربي تفوق معدلاتها لدى الرجال في معظم الدول، حيث تصل النسبة في بعض الحالات إلى ضعف المعدل الذكري، نتيجة إختلاف أنماط النشاط البدني والعادات الغذائية والإجتماعية.

أوضحت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) في تحليلها لعام 2025 أن التحول الغذائي في العالم العربي خلال العقدين الماضيين كان حادًا، حيث استُبدلت الوجبات التقليدية الغنية بالخضار والحبوب الكاملة بوجبات سريعة عالية الدهون والسكر والملح.

كما ساهم الإنتشار الواسع لسلاسل المطاعم العالمية في المدن الكبرى، إلى جانب إرتفاع الدخل الفردي في دول الخليج، في تعزيز إستهلاك الأطعمة المصنعة والمشروبات الغازية، وهو ما أدى إلى زيادة مدروسة في متوسط السعرات الحرارية اليومية للفرد لتتجاوز 3,200  سعرة حرارية يوميًا في بعض البلدان الخليجية، وفقًا لبيانات الفاو.

تُبرز دراسة نُشرت في المجلة الطبية The Lancet عام 2024 أن أحد الأسباب الجوهرية لإنتشار السمنة في المنطقة هو نمط الحياة الخامل، حيث تُعد معدلات النشاط البدني في الدول العربية من الأدنى عالميًا، خاصة بين الشباب والنساء. وأشارت الدراسة إلى أن أكثر من 50%  من البالغين في المنطقة لا يمارسون أي نشاط بدني منتظم، وهو ما يعود إلى عوامل ثقافية وإجتماعية مثل غياب ثقافة الرياضة في المدارس، وقلة المساحات المخصصة للمشي والأنشطة العامة في المدن، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة في معظم شهور السنة، ما يحدّ من الأنشطة الخارجية.

كما تُشير دراسة صادرة عن جامعة هارفارد عام 2025 حول الأنماط الغذائية في الشرق الأوسط إلى دور الإعلام والتسويق التجاري في تعزيز العادات الغذائية السيئة، حيث تُنفق شركات الأغذية والمشروبات مليارات الدولارات سنويًا للترويج لمنتجات غير صحية موجهة للأطفال والمراهقين. وقد وجدت الدراسة أن الأطفال العرب يشاهدون في المتوسط أكثر من 5 إعلانات غذائية غير صحية يوميًا على شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الإجتماعي، مما يزيد إحتمالية السمنة في مرحلة مبكرة.

من جهة أخرى، يلعب العامل النفسي دورًا متناميًا في إنتشار السمنة. فبحسب تقرير الجمعية العربية لعلوم النفس لعام 2024، فإن القلق المزمن والضغوط المعيشية وارتفاع نسب البطالة بين الشباب ساهمت في ازدياد ظاهرة "الأكل العاطفي" التي تدفع الأفراد لتناول كميات مفرطة من الطعام بحثًا عن الراحة النفسية. كما تزايد الإعتماد على تطبيقات توصيل الطعام التي سهلت الحصول على وجبات جاهزة عالية السعرات في أي وقت، ما جعل السمنة أكثر إرتباطًا بأسلوب الحياة العصري.

وعلى الصعيد الإجتماعي، يرى تقرير الإسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا 2025) أن التحولات في نمط الحياة الحضري في المدن العربية من العمل المكتبي الطويل إلى الإعتماد المفرط على السيارات والتكنولوجيا أدت إلى تراجع كبير في النشاط الحركي اليومي. كما أن الثقافة الإجتماعية في بعض المجتمعات لا تزال تنظر إلى البدانة على أنها رمز للرفاهية أو الجمال، مما يجعل تقبل فكرة الحمية الغذائية أو ممارسة الرياضة محدودًا في بعض الفئات.

من الناحية الإقتصادية، يشير تقرير منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (OECD, 2025) إلى أن السمنة تكلّف الإقتصادات العربية ما يقارب 3%  من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا نتيجة زيادة الإنفاق على العلاج الطبي وفقدان أيام العمل. في السعودية مثلًا، تُقدّر الخسائر الإقتصادية الناتجة عن الأمراض المرتبطة بالسمنة بنحو 19  مليار دولار سنويًا، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الصحة السعودية عام 2025، في حين تشهد مصر ارتفاعًا مطّردًا في معدلات السمنة لتصل إلى أكثر من 33%  بين البالغين بحسب منظمة الصحة العالمية.

في المقابل، بدأت بعض الدول العربية بإتخاذ خطوات جادة لمكافحة هذه الظاهرة. فقد أطلقت الإمارات العربية المتحدة مبادرة "30×30 دبي للياقة" التي تشجع السكان على ممارسة النشاط البدني لمدة 30 دقيقة يوميًا على مدى 30 يومًا، وفقًا لتقرير صحيفة ذا ناشيونال (The National, 2024) كما فرضت السعودية منذ عام 2020 ضريبة على المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة بنسبة 50%  إلى 100%، مما ساهم في خفض إستهلاكها بنسبة تقارب 35%  خلال ثلاث سنوات، وفق بيانات الهيئة العامة للزكاة والضريبة والجمارك (2024).

رغم هذه الجهود، لا تزال المنطقة بحاجة إلى إستراتيجية شاملة تجمع بين التثقيف الصحي والإصلاح الغذائي والتخطيط الحضري لتشجيع النشاط البدني. وتوصي منظمة الصحة العالمية (2025) بضرورة دمج التوعية الغذائية في المناهج المدرسية، ووضع قيود على تسويق الأغذية غير الصحية للأطفال، إضافة إلى تشجيع الحكومات على دعم المبادرات المجتمعية التي تروج لأنماط حياة صحية.

إن السمنة في العالم العربي لم تعد مجرد قضية صحية، بل أزمة مجتمعية شاملة ترتبط بالإقتصاد، والثقافة، والسياسات العامة. وإذا لم تُتخذ إجراءات جذرية خلال السنوات المقبلة، فإن المنطقة ستواجه عبئًا صحيًا متزايدًا يهدد التنمية البشرية والإستدامة الإقتصادية على المدى الطويل.

شارك المقال