الذكاء الإصطناعي يقود الإقتصاد العالمي نحو عصر جديد من الإنتاج والإبتكار

يشهد العالم في عام 2025 مرحلة تاريخية من التحوّل الاقتصادي بفضل صعود التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت التقنيات الرقمية الركيزة الأساسية للنمو في معظم الاقتصادات الكبرى. وفقًا لتقرير صادر عن مؤسسة IDC للأبحاث التقنية فإن الاقتصاد الرقمي العالمي أصبح يشكّل قرابة 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يعادل نحو 16 تريليون دولار من أصل 108 تريليونات دولار هي القيمة الإجمالية للاقتصاد العالمي لعام 2024 (تقرير IDC الصادر في يونيو 2025).
وفي السياق نفسه أشار تقرير فورستر الاقتصادي لعام 2025 إلى أن الإنفاق العالمي على التكنولوجيا سيبلغ 4.9 تريليون دولار خلال العام الحالي بمعدل نمو سنوي يبلغ 5.6 في المئة، كما توقّع التقرير ذاته أن تصل نفقات التكنولوجيا في الولايات المتحدة وحدها إلى 2.7 تريليون دولار مع نمو 6.1 في المئة وهو ما يعكس استمرار التوسع في الأعمال الرقمية وارتفاع الاعتماد على الأنظمة المؤتمتة والذكاء الاصطناعي (تقرير Forrester السنوي 2025).
أما صندوق النقد الدولي فقد أكّد في تحليله الصادر في مايو 2025 أن الذكاء الاصطناعي أصبح من أهم محركات الاقتصاد العالمي إذ يمكن أن يرفع معدلات النمو الاقتصادي بنسبة تتجاوز 1.5 في المئة سنويًا في الدول التي تستثمر في الطاقة والبنية الرقمية بشكل فعال، وحذّر الصندوق من أن نقص إمدادات الطاقة أو ضعف البنية التحتية يمكن أن يبطئ هذه الموجة الرقمية (IMF Blog 2025).
كذلك تشير بيانات شركة Teneo للذكاء الاصطناعي إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي العالمي سيشهد نموًا سنويًا مركّبًا قدره 36.6 في المئة بين عامي 2024 و 2030، ما يعني أن القيمة الإجمالية للسوق ستتجاوز 1.8 تريليون دولار خلال أقل من خمس سنوات، وهو ما يضع الذكاء الاصطناعي في موقع الريادة ضمن قائمة أسرع القطاعات نموًا في العالم (تقرير Teneo Analytics 2025).
لكن هذا النمو لا يخلو من تبعات اجتماعية واقتصادية مهمة، إذ توقّع المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره نصف السنوي لعام 2025 أن تؤدي التحولات الرقمية إلى إلغاء نحو 92 مليون وظيفة بحلول عام 2030 في مقابل خلق 170 مليون وظيفة جديدة تتطلب مهارات مختلفة، مما يعني أن التعليم الرقمي وإعادة تأهيل القوى العاملة أصبحا شرطين أساسيين للاستفادة من التحول التكنولوجي (World Economic Forum Global Trends 2025).
وفي الجانب المرتبط بسوق العمل، أوضحت دراسة شركة PwC الاستشارية أن العاملين في مجالات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات يتقاضون أجورًا أعلى بنسبة 56 في المئة مقارنة بالعاملين في المجالات التقليدية، وهو ما يفسّر الارتفاع الكبير في الطلب على المهارات التقنية المتقدمة (PwC AI Jobs Barometer 2025). كما حذّر تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في أغسطس 2025 من أن الدول التي لا تمتلك بنى تحتية رقمية قوية ستتأخر اقتصاديًا عن نظيراتها التي استثمرت في التحول الرقمي مما قد يوسع فجوة الدخل العالمية بنسبة تصل إلى 20 في المئة خلال العقد القادم (IMF Working Paper 2025).
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يرى تقرير IDRC الإقليمي للتنمية الرقمية لعام 2025 أن استثمارات التحول الرقمي قد تسهم في رفع الناتج المحلي للمنطقة بنحو 6 في المئة سنويًا في حال اعتماد سياسات واضحة في مجال البيانات المفتوحة والتشريعات المرنة وتشجيع الابتكار المحلي، خصوصًا في مجالات التعليم الذكي والتجارة الإلكترونية والطاقة المتجددة.
من هنا يتضح أن الاقتصاد العالمي يقف أمام مرحلة جديدة تُعرّفها البيانات والذكاء الاصطناعي لا النفط أو رأس المال التقليدي، وأن من يمتلك البنية الرقمية والعقول المؤهلة سيقود العالم القادم اقتصاديًا وتقنيًا. فالتكنولوجيا اليوم لم تعد مجرد أداة دعم للإنتاج بل أصبحت المحرك الأساسي له، ومن لا يستثمر فيها يخاطر بالبقاء على هامش التاريخ الاقتصادي الحديث.