الاتحاد الأوروبي يتيح إستخدام عوائد 280 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة

تردّدت لعدة سنوات الدول الغربية في كيفية الإستفادة من أصول البنك المركزي الروسي المودعة في الخارج لدعم أوكرانيا عسكرياً وإقتصادياً، خشية أن يُمثّل أي إستخدامٍ مباشرٍ لتلك الأموال مصادرةً غير قانونية تفتح الباب أمام دعاوى ومسؤوليات قانونية جسيمة.
مع تراجع الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب وتصاعد الضغط الأوروبي لسد الفجوة التمويلية، تبدو العواصم الأوروبية اليوم أكثر إستعداداً لتجاوز ما كان يُعتبر سابقاً خطوطاً حمراء.
إتفقت دول مجموعة السبع في خطوة أولية على إبقاء الأصول الروسية نفسها مجمدة، والسماح لأوكرانيا بالإستفادة من عوائدها وفوائدها. والآن يدرس الإتحاد الأوروبي مقترحاً أكثر طموحاً: إستخدام تلك الأصول نفسها كضمان لإطلاق قروض جديدة لتمويل كييف تصل قيمتها المقترحة إلى نحو 140 مليار يورو، مع إحتمال ألا تضطر الحكومة الأوكرانية لسداد تلك القروض ما لم توافق روسيا رسمياً على تعويضات لإعادة إعمار الأضرار التي سبّبها الغزو بحسب بلومبيرغ.
الخطة المبدئية وكيف تطورت
الخطة الأولى التي اتُفقت عليها في 2024 تقوم على أن تقدم دول مجموعة السبع قروضاً لأوكرانيا تُسدَّد لاحقاً من الفوائد والعوائد الناتجة عن الأصول الروسية المجمدة. في هذا الإطار تعهّد الاتحاد الأوروبي بتوفير نحو 45 مليار يورو حوالي 52 مليار دولار من القروض عبر هذه الآلية. أما الاقتراح الجاري مناقشته حالياً داخل بروكسل فيرتقي بالموضوع إلى مستوى الإستفادة من رأس المال المجمد نفسه لإطلاق حزمة أكبر من التمويلات الطارئة.
تُخزّن معظم تلك الأصول في المؤسسة الأوروبية للإيداع Euroclear التي تتخذ من بروكسل مقراً لها، بعدما كان نصيب أوروبا الأكبر من الأصول بعد قرار موسكو سحب الجزء الأكبر من الإحتياطيات من الولايات المتحدة عام 2018. هذا التوزيع الجغرافي للأموال جعل أوروبا في موقع محوري عند النظر في أي ترتيباتٍ لإستخدامها.
كيف تُعالج بروكسل مخاوف المسؤولين القانونيين؟
تخشى بلجيكا، بوصفها البلد المضيف لمقر Euroclear، أن تتحمّل تبعات قانونية هائلة لو قرّرت المحاكم فيما بعد إرغام المؤسسة على إعادة الأموال لروسيا. للتخفيف من تلك المخاوف، ينص أحد العناصر المقترحة على إبرام ما يُطلق عليه "عقد دين مُخصص" آلية احترازية تُحدد شروطاً قانونية واقية، ومن ضمنها بندٌ يقضي بأن تكون الفائدة صفرية (0%) على أي سندات أو ترتيبات تُفعّل إذا ما طُلب من Euroclear أو أي جهة أوروبية أخرى الوفاء بمطالب روسية لاحقة. الهدف هو أن تكون هذه الضمانات من الناحية القانونية متينة بما يكفي لردع دعاوى مستقبلة أو لتقليل إحتمال تحميل الخزائن الوطنية أعباء مالية فادحة بحسب بلومبيرغ.
من يدعم الخطة ومن لم يقرر بعد؟
تتلقى الخطة دعماً واضحاً من كلٍّ من المملكة المتحدة وكندا، بينما لم تُعلن كلٌ من الولايات المتحدة واليابان موقفها النهائي بعد. هذا التجزّؤ في المواقف يعكس حساسية المسألة من ناحية قانونية وجيوسياسية.
ما قيمة الأصول المجمدة وما مصادرها؟
جمد الإتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا معاً نحو 280 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي على شكل أوراق مالية ونقدية. بالإضافة إلى ذلك، جُمّدت أصول تابعة لأفراد بارزين مُقدّرة بنحو 58 مليار دولار (منازل، يخوت، طائرات خاصة وغيرها) بناءً على عقوبات استهدفت أشخاصاً مرتبطين بالحكم الروسي، وفق بيانات صدرت سابقاً عن وزارة الخزانة الأميركية وفقاً لبلومبيرغ.
ما الذي سيُستخدم له الأموال الإضافية؟
يُناقش الآن تخصيص التمويلات الإضافية لاحتياجات عاجلة تشمل شراء أسلحة، وتعزيز قدرات الصناعة الدفاعية الأوكرانية، وتغطية احتياجات الإقتصاد المدني المتضرر.
تُشير التقديرات الدولية إلى أن أوكرانيا تواجه فجوة تمويلية ضخمة؛ إذ قدّر صندوق النقد الدولي إحتياجات التمويل بحوالي 65 مليار دولار خلال الأربعة أعوام المقبلة. في ظل تهديدات مستمرة للبنية التحتية والطاقة الأوكرانية، تصر كييف على ضرورة تزويدها بأنظمة دفاع جوي إضافية وصواريخ بعيدة المدى، وقد أُنشئت بالفعل آليات شراء خاصة تمكّن أوكرانيا من اقتناء معدات عسكرية أميركية باستخدام تمويلٍ أساسه مساهمات أوروبية.
لماذا لا يصادر الإتحاد الأوروبي الأموال ويصرفها مباشرة؟
ثمة سوابق لحالات مصادرة أموال دولٍ أجنبية أستخدمت لاحقاً لأغراض إعادة الإعمار أو التعويضات (مثل مصادرة 1.7 مليار دولار عراقية بعد غزو 2003، أو أموال كوبية في 1996)، لكن القاعدة العامة في القانون الدولي والمالي تقول إن المصادرات الشرعية غالباً ما تتبع أحكاماً قضائية تثبت أن الأموال مصدرها جريمة أو فساد.
بينما قد يُعتبر غزو روسيا لأوكرانيا إنتهاكاً للقانون الدولي، فإن ذلك لا يعني تلقائياً أن إحتياطيات البنك المركزي الروسي تُعدُّ عائدات إجرامية أو ملكية خاصّة يمكن تجريدها دون قواعد قانونية واضحة. لذلك تُحاول بروكسل والحلفاء تصميم آليات تتيح استخدام الأموال عملياً من دون نقل ملكيتها القانونية أو المصادرة الصريحة.
كما حذرت فرنسا وألمانيا وممثلو البنك المركزي الأوروبي من أن مصادرة هذه الأصول قد تُحدث هزّات في النظام المالي العالمي وتؤثر على مكانة اليورو كعملة إحتياط، إذ قد تفضي تلك الخطوات إلى تشجيع مدنٍ نامية على سحب ودائعها من البنوك الغربية تحسّباً لمخاطر مماثلة، ما يزيد من إنقسام النظام المالي الدولي بحسب بلومبيرغ.
كيف ردت موسكو؟
موسكو وصفت محاولات الغرب تعبئة أصولها بأنها إنتهاك لمبدأٍ أساسي في النظام الإقتصادي الدولي: حرمة الملكية الخاصة.
هددت روسيا بردود فعل إنتقامية قد تشمل مصادرة أصول لدول "غير صديقة" كانت قد جُمّدت لديها سابقاً، كما أقرّ الرئيس فلاديمير بوتين في تشرين الأول/أكتوبر أمراً يسهّل بيع أصولٍ مملوكة للدولة بموجب إجراءات سريعة، ما رفع مخاطر تأميم الشركات الأجنبية وبيعها إنتقاماً لمثل هذه الخطوات.
هل جرت مصادراتٍ فعلية؟
نعم على مستوى أصول خاصة تابعة لأفراد روس. بعد غزو 2022، صادرت سلطات محلية في دول مثل فيجي وإسبانيا يخوتاً مرتبطة بمليارديرات روس بتنسيق مع طلبات من السلطات الأميركية.
صنّف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) بعض الأوليغارشيين مثل سليمان كيريموف كمستفيدين من فساد مرتبط بالحكم الروسي، وجرى مصادرة يختٍ بقيمة 99 مليون دولار يُعرف باسم "Tango" المرتبط بـ فيكتور فيكسلبيرغ، بالإضافة إلى منازل وممتلكات أخرى مرتبطة بأشخاص مثل كيريموف وفِكسلبيرغ وأوليغ ديريباسكا بحسب بلومبيرغ.