Contact Us
اقتصاد

لماذا يتهافت العالم على الذهب حين تشتعل الأزمات؟

تهافت الناس على الذهب2

في خضم العواصف الاقتصادية والسياسية التي تضرب العالم، يبرق معدن أصفر واحد في الأفق كملاذ أخير لا يخيب. إنه الذهب، ذلك المعدن الذي حافظ على بريقه عبر آلاف السنين، ليس فقط كرمز للثراء، بل كحصن منيع في وجه عدم اليقين. tبينما تتهاوى الأسواق وتتزعزع الثقة بالعملات والنظم المالية، يشهد الذهب موجة شراء غير مسبوقة تدفعه إلى مستويات قياسية، مثيراً تساؤلات جوهرية: هل نحن إزاء تحول جوهري في النظام المالي العالمي؟ وهل يحمل هذا المعدن اللامع نبوءة بانهيار النظام النقدي القائم؟ ثمة تقرير من بلومبيرغ يحاول الإجابة عن هذه التساؤلات.

الذهب في عصر الاضطرابات الجيوسياسية
لم يعد الذهب مجرد ملاذ آمن تقليدي، بل تحول إلى مؤشر قوي على فقدان الثقة في الركائز الأساسية للنظام المالي. التصعيد في الحرب التجارية التي يشعلها الرئيس ترامب، والمستويات القياسية للديون الأميركية، والتدخل المتزايد في استقلالية الاحتياطي الفيدرالي - كل هذه العوامل دفعت المستثمرين والبنوك المركزية على حد سواء إلى التوجه نحو الذهب. وقد تجلى هذا واضحاً في ارتفاع حيازات صناديق الاستثمار المتداولة المدعومة بالذهب إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات.

التضخم والسياسة النقدية: معادلة الذهب المثلى
يبرز الذهب كأقوى أدوات التحوط ضد التضخم، خاصة في ظل سياسة التعريفات الجمركية التي تهدد برفع الأسعار عالمياً. كما أن الضغوط السياسية لخفض أسعار الفائدة تجعل الذهب أكثر جاذبية، حيث ينخفض تكلفة الفرصة البديلة لامتلاسه مقارنة بالأصول ذات العائد. لكن المفارقة تكمن في أن هذا المعدن الذي لا يدر عائداً أصبح يحقق مكاسب تفوق الأسهم، مما يثير مخاوف من تشكل فقاعة قد تنفجر في أي لحظة.

تحول جيوسياسي: البنوك المركزية تعيد تشكيل الاحتياطيات
تشتري البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة، الذهب بمعدلات قياسية في محاولة للتقليل من الاعتماد على الدولار الأميركي. وقد تضاعفت وتيرة هذه المشتريات بعد غزو أوكرانيا، حيث كشفت تجميد الأصول الروسية مدى هشاشة الاحتياطيات من العملات الأجنبية في مواجهة العقوبات. الصين، على وجه الخصوص، تواصل مسيرتها لتعزيز مكانتها في سوق الذهب العالمي، ليس فقط عبر زيادة احتياطياتها، بل بالسعي لأن تصبح حاضنة للاحتياطيات الذهبية الأجنبية.

التحديات والمخاطر: متى ينقلب المد؟
رغم المسيرة الصاعدة، فإن عودة التفاؤل في المفاوضات التجارية الأميركية-الصينية، أو تعافي الدولار، أو تحقيق تقدم في ملفات سياسية شائكة، كلها عوامل قد تعيد توجيه التدفقات بعيداً عن الذهب. كما أن توقف الإعلان عن بيانات مركزية بسبب الإغلاق الحكومي الأميركي خلق حالة من عدم الوضوح قد تدفع المضاربين لبناء مراكز غير متوازنة.

بريق الذهب في عصر اللايقين
لم يعد الذهب اليوم مجرد معدن ثمين، بل أصبح مؤشراً على القلق العالمي من النظام المالي السائد. بينما تستمر البنوك المركزية في التخلي عن الدولار لصالح الذهب، والمستثمرون يبحثون عن ملاذ من العواصف السياسية، يبدو أن هذا المعدن الأصفر يحمل في بريقه رسالة واضحة: النظام المالي العالمي على مفترق طرق، والذهب هو الرهان الآمن في زمن الاضطراب.

شارك المقال