Contact Us
قضاء وقانون

ساركوزي إلى السجن 5 سنوات لإدانته بتمويل القذافي حملته الانتخابية

21 أكتوبر 2025
ساركوزي في السجن

دخل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي سجن "لا سانتيه" في باريس صباح اليوم الثلاثاء، ليصبح أول رئيس فرنسي سابق يقضي عقوبة بالسجن، وذلك بعد إدانته الشهر الماضي بتهمة التآمر الجنائي على خلفية سعيه للحصول على ملايين اليوروات من أموال غير مشروعة لتمويل حملته الرئاسية لعام 2007 من نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. وقد حكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، مع دفع غرامة قدرها 100 ألف يورو نحو 108 آلاف دولار أميركي.

ظلت شبهات التمويل الليبي غير المشروعة تلاحق حملة ساركوزي لأكثر من عقد، إلى أن صدر قرار المحكمة الأخير بسجنه لمدة 5 سنوات بتهمة التآمر الجنائي، مصحوباً بأمر إعتقال مؤجل مع التنفيذ المؤقت، مما جعل سجنه أمراً لا مفر منه.

كما تعدّ اللقاءات التي تمت في ليبيا عام 2005 بين وزير الداخلية الفرنسي الأسبق كلود غيان، وعضو المجلس الإقليمي بريس أورتوفو مع عبد الله السنوسي، رئيس جهاز الإستخبارات في نظام القذافي، محورية في الأسباب التي أدت إلى إدانة ساركوزي.

وصرّحت محكمة باريس بأن أقرب معاوني ساركوزي التقوا بالرجل الثاني في النظام الليبي بهدف الحصول على دعم مالي لحملته، في وقت كان ساركوزي وزيراً للداخلية ويفكر جدياً في الترشح، وفي ظروف من السرية التامة.

وأوضحت القاضية ناتالي غافارينو، أن الرئيس الفرنسي السابق كان قد سمح لمساعديه بالإتصال بمسؤولين ليبيين للحصول على دعم مالي لحملته.

في السياق نفسه، أقر القضاة بأن الإجراءات لا تقدم أساساً لإثبات أن الأموال المرسَلة من ليبيا إنتهت إلى الحملة الإنتخابية، بالرغم من أن مذكرات وزير النفط الليبي الأسبق شكري غانم، أشارت إلى أن شخصيات ليبية مرموقة، من بينها السنوسي، أرسلت أموالاً لتمويل حملة ساركوزي آنذاك، في حين يمنع القانون الفرنسي أي تمويل خارجي للحملات الإنتخابية.

وفي المقابل، برّأت المحكمة الجنائية في باريس الرئيس الفرنسي السابق من التهم الأخرى، بما في ذلك تهم الفساد، والتمويل غير المشروع للحملات الإنتخابية، وذلك لعدم وجود أدلة كافية تثبت إستفادته بشكل مباشر من هذا التمويل غير القانوني.

وعلى الرغم من أن الحكم هو خمس سنوات، فمن غير المرجح أن يقضي ساركوزي الفترة كاملة، إذ يمكنه تقديم طلب الإفراج فوراً، والذي عادة ما يستغرق شهراً لمعالجته.

من جانبه، يرى مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة "أفدي" الدولية لحقوق الإنسان، المحامي عبد المجيد مراري، أن العقوبة المنصوص عليها في القانون الجنائي هي السجن لمدة 10 سنوات، كما أن المحكمة اعتمدت كل ظروف التخفيف على ساركوزي، آخذة بعين الاعتبار خصوصيته بوصفه رئيساً سابقاً للجمهورية ووضعه الصحي، وذلك قد أتى إلتزاماً بمبدأ دولي لدى القضاء يقضي بأن الإفلات من العقاب لا يمكن أن يطال المسؤولين الكبار.

وقد نشر الرئيس القرنسي السابق رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد دخوله السجن، أكد فيها على براءته، مشيراً إلى أنه سيواصل كشف الفضيحة القضائية.

يأتي سجن ساركوزي في ظل اضطرابات سياسية مستمرة في فرنسا، تفاقمت منذ دعوة الرئيس إيمانويل ماكرون لانتخابات مبكرة، ما أدى إلى إنقسام البرلمان وتشكيل أربع حكومات متعاقبة، حيث تقف الحكومة الحالية برئاسة سيباستيان لوكورنو على أرض غير مستقرة.

وقبل أيام من سجنه، التقى ساركوزي بماكرون في الإليزيه، حيث دافع ماكرون عن اللقاء، موضحاً أنه من الطبيعي على المستوى الإنساني أن يستضيف أحد أسلافه، مع تأكيده على إستقلال القضاء.

وفي سياق الأحكام القضائية التي طالت سياسيين في ظل الجمهورية الخامسة، يُضاف ملف ساركوزي إلى سجلات أحكام سابقة، مثل حكم السجن لمدة عامين مع وقف التنفيذ على الرئيس جاك شيراك عام 2011 بتهمة إختلاس أموال عامة، إدانة رئيس الوزراء فرانسوا فيون بالسجن 4 سنوات مع وقف التنفيذ عام 2022 بتهمة التوظيف الوهمي لزوجته، والحكم على آلان جوبيه بالسجن 14 شهراً مع وقف التنفيذ عام 2004 في قضية التوظيف الوهمي بمدينة باريس.

وبعد أن دخل نيكولا ساركوزي التاريخ من بوابة قصر الإليزيه، يعود اليوم إليه من بوابة المحاكم، في اختبار واضح للنظام السياسي الفرنسي وقدرة مؤسساته على الانتصار للقانون ومحاسبة الكبار، من دون أن يبدو الأمر تصفية حسابات.

شارك المقال