Contact Us
سيارات

حصة السيارات الصينية ستتجاوز 34% في أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا بحلول 2030

a_high-resolution_dynamic_illustration_of_a_modern_middle_eastern_city_street_filled_with_cars_high_k8c7wjosucojo11bua1l_3

تشهد أسواق السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) تحوّلاً جذرياً في خريطة المنافسة، إذ بدأت السيارات الصينية تشقّ طريقها بقوة متزايدة، مزاحمة العلامات الأميركية العريقة التي لطالما هيمنت على هذه الأسواق لعقود.

هذا التحول لا يمكن وصفه بالمفاجئ، بل هو نتاج تراكم عوامل إقتصادية وتقنية، وتبدّل في سلوك المستهلك العربي، إضافة إلى تغيّر موازين الصناعة العالمية بفعل التكنولوجيا والتحول نحو الطاقة النظيفة.

صعود رقمي لافت: الأرقام لا تكذب

وفق تحليل صادر عن شركة AlixPartners الأميركية للإستشارات الصناعية، من المتوقع أن تصل حصة السيارات الصينية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى 34% بحلول عام 2030، بعدما لم تتجاوز 10% فقط في عام 2024. هذا يعني أن ثلث السيارات الجديدة في الأسواق العربية قد تحمل علامة "صنع في الصين" خلال أقل من خمس سنوات.

في المملكة العربية السعودية، التي تُعدّ أكبر سوق سيارات في المنطقة، قفزت واردات السيارات الصينية من 48,120 سيارة عام 2019 إلى نحو 180,590 سيارة في عام 2023، أي بزيادة تقارب 275% خلال أربع سنوات، وفق تقرير نشره موقع IntelliNews في حزيران/يونيو 2024.

أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد سجّلت السيارات الصينية بين 15% و20% من مبيعات السيارات الجديدة في النصف الأول من عام 2025، بمتوسط يبلغ 17.5%، بحسب موقع ArabGT المختص بصناعة السيارات.

ولا يتوقف النمو عند المبيعات فقط، بل يتعداه إلى مستوى الثقة. فقد أظهر إستطلاع أجرته منصة Icartea أن 70% من المستهلكين في السعودية والإمارات باتوا يثقون بالعلامات الصينية، وهي قفزة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة حين كانت هذه السيارات توصف بأنها "رخيصة لكن محدودة الجودة".

تراجع الوتيرة الأميركية

ورغم أن السيارات الأميركية لا تزال تحافظ على حضور قوي من حيث القيمة، فإنها لم تعد تنمو بنفس الزخم.

تشير بيانات موقع ArabGT إلى أن قيمة واردات الإمارات من السيارات الأميركية بلغت 1.835 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، منها 1.438 مليار دولار لسيارات الركاب.

وفي الكويت، بلغت واردات السيارات وقطع الغيار الأميركية 262 مليون دولار في النصف الأول من عام 2024، وفق صحيفة Arab Times.

لكن هذه الأرقام، رغم ضخامتها، لا تعكس نمواً يُضاهي ما تحققه الصين، خصوصاً في الفئات المتوسطة والإقتصادية التي تستحوذ على أكثر من 60% من الطلب في السوق العربية.

عوامل التفوق الصيني: معادلة السعر والتكنولوجيا

  • السعر والقيمة مقابل المال

تقدّم العلامات الصينية سيارات بأسعار أقل بنحو 20 إلى 40% من نظيراتها الأميركية أو اليابانية، مع تجهيزات تقنية حديثة تشمل الشاشات الذكية وأنظمة المساعدة على القيادة.

هذه المعادلة جعلت المستهلك العربي يرى في السيارات الصينية "قيمة حقيقية مقابل المال"، خاصة مع إرتفاع أسعار السيارات الغربية بسبب التضخم وسلاسل الإمداد.

  • التكيف المحلي والتوزيع الواسع

بدأت الشركات الصينية مثل Changan وGeely وMG وBYD بتوسيع شبكاتها في الخليج، عبر شراكات توزيع وصيانة محلية. ففي السعودية، إفتتحت "شانغآن" أكثر من 25 مركز خدمة في عام واحد فقط، بينما تعمل "جيلي" على إنشاء مركز تجميع محلي لتقليل كلفة الإستيراد.

هذه الخطوات عززت ثقة المستهلك، وقلّصت واحدة من أبرز نقاط الضعف السابقة: محدودية الصيانة وخدمات ما بعد البيع.

  • التحول نحو السيارات الكهربائية والهجينة

تتصدّر الصين المشهد العالمي في تصنيع السيارات الكهربائية. ومع إتجاه دول عربية مثل الإمارات والسعودية ومصر إلى تبني إستراتيجيات للنقل المستدام، أصبحت السيارات الصينية ولا سيما من علامات مثل BYD وNIO وXPeng الأكثر جذباً من حيث السعر والتكنولوجيا.

ووفق تقرير لوكالة الأنباء (AP)، فإن التوسع الصيني في مصانع السيارات الكهربائية خارج حدودها أصبح "ظاهرة عالمية"، إذ تصدّر الصين حالياً سيارات كهربائية إلى أكثر من 120 دولة حول العالم.

ضعف التكيّف الأميركي: الفجوة تتسع

العلامات الأميركية مثل Ford وChevrolet وDodge ما تزال تركز على السيارات الفاخرة أو الشاحنات الكبيرة، ما يجعلها بعيدة عن شريحة واسعة من المستهلكين في العالم العربي الذين يبحثون عن سيارات إقتصادية وصديقة للبيئة.

كما أن تكاليف الصيانة وإستهلاك الوقود العالي يقللان من جاذبية السيارات الأميركية في بيئة تسعى إلى ترشيد الإنفاق.

إضافة إلى ذلك، فإن محدودية الموديلات المخصصة للسوق العربي، مقارنة بالتنوع الصيني، جعلت بعض المستهلكين يبدّلون ولاءهم التجاري تدريجياً.

الأثر الاقتصادي والإقليمي

  • على المستهلك العربي

النتيجة المباشرة لإنتشار السيارات الصينية هي توسّع الخيارات وتراجع الأسعار. دخول علامات جديدة مثل Haval وOmoda وJetour أجبر الشركات اليابانية والأوروبية وحتى الأميركية على خفض الأسعار وتحسين المواصفات.

كما أتاح هذا التنافس للمستهلكين الوصول إلى سيارات كهربائية وهجينة بأسعار تبدأ من 15 ألف دولار فقط، في حين كانت هذه الفئة قبل سنوات حكراً على الطبقات الميسورة.

لكنّ بعض التحديات ما تزال قائمة، مثل نقص قطع الغيار لبعض العلامات الجديدة، وهو ما عبّر عنه مستخدمون في الإمارات على موقع Reddit بقولهم:"إستغرق الأمر أسبوعين للحصول على مصباح أمامي جديد لسيارتي الصينية".

  • على الإقتصاد المحلي

صعود العلامات الصينية خلق فرصاً إستثمارية جديدة في مجالات التجميع المحلي، ومراكز الصيانة، والتجارة الإلكترونية للسيارات.

في السعودية مثلاً، بدأت الحكومة بدراسة إنشاء مناطق صناعية متخصصة لتجميع السيارات الصينية محلياً، ضمن "رؤية 2030" لتنويع الإقتصاد.

وفي الإمارات، عزّزت المنافسة الصينية قطاع الخدمات اللوجستية والنقل، كما شجّعت تطوير البنية التحتية للسيارات الكهربائية من خلال إنشاء أكثر من 900 محطة شحن خلال عام 2024 وحده.

التحديات أمام الطرفين

بالنسبة للصينيين، التوسع السريع قد يعرّض بعض الشركات لضغوط مالية بسبب هوامش الربح المنخفضة، خصوصاً في الأسواق التي تتطلب خدمات ما بعد البيع باهظة الكلفة.

أما الأميركيون، فيواجهون خطر فقدان قاعدة العملاء في الفئات المتوسطة ما لم يُعيدوا التفكير في إستراتيجياتهم التسويقية والتمويلية.

كما أن بعض الحكومات قد تفرض في المستقبل قيوداً جمركية أو تنظيمية لحماية الصناعة المحلية أو الحد من الإعتماد على الإستيراد، مما قد يبطئ الإندفاع الصيني قليلاً.

المشهد المستقبلي يُشير بوضوح إلى أن السيارات الصينية ستظل لاعباً محورياً في الأسواق العربية خلال العقد المقبل.

فهي تجمع بين السعر المنافس، والتكنولوجيا المتطورة، والتوسع الإقليمي المنظم. أما الشركات الأميركية، فقد تجد نفسها أمام خيارين: إما إعادة إبتكار نفسها في الفئات الإقتصادية، أو الإكتفاء بدور النخبة في سوق يتجه نحو التنوع والإبتكار السريع.

ليس إكتساح السيارات الصينية للأسواق العربية ظاهرة عابرة، بل تحوّل هيكلي في الإقتصاد الإقليمي وصناعة النقل.

تُثبت الأرقام أن "القرن الحادي والعشرين في السيارات" لم يعد حكراً على ديترويت الأميركية أو طوكيو اليابانية، بل أصبح للصين كلمة حاسمة فيه.

وفي حين يكسب المستهلك العربي من المنافسة عبر الأسعار الأفضل والتكنولوجيا الأحدث، تبقى المعادلة مفتوحة على سباق طويل المدى بين الإبتكار الصيني والخبرة الأميركية.

شارك المقال